الرئيسيةمحليات

وحدهم “المجانين” ينقذون لبنان

لبنان عربي – عبد الرحمن السيد

يقول فرحات حشاد (زعيم سياسي ونقابي تونسي): “الثورة يفجرها مجانين بعشق أوطانهم يموت فيهاالشرفاء ويستفيد منها الجبناء.”

ونحن في لبنان ينقصنا المجانين، فأولئك المستعدون للتضحية بأنفسهم من أجل مجتمع نخرت عظامه الطائفية وسرت في شرايين دمه العنصرية، قلة قليلة.

 نريد رجالاً من هذا الصنف، ومَن غيرُ المجنون يستطيع الوقوف في وجه زعماء الطوائف الذين عاثوا خراباً ودماراً وفساداً ونهباً في خيرات هذه الدولة؟.

 ولكن قبل الوقوف في وجه هؤلاء، من يستطيع الوقوف في وجه زبانيتهم وخدمهم من بائعي الكرامة، صائدي المنافع، أبناء المحسوبيات؟

ربما كان خطأ الذين ثاروا في ١٧ تشرين الأول، أنهم شهروا سيوفهم مباشرةً على الفراعنة فعلت سقوف مطالبهم لتدمير أهرام الحكم، ونسوا أن لهؤلاء الحكام سحرة وكهنة وعبدة يؤلهونهم ويقدسونهم، حتماً على حسابهم. لذا الحل ليس فقط بقيام ثورة على أرباب الميليشيات المتنكرين بملابس رسمية، الذين يتحكمون بمفاصل السلطة، بل على الجنود، وما أكثرهم.

هؤلاء الجنود الذين ساهموا سابقاً إلى حد بعيد برسم صورة الألوهية والقداسة حول قياداتهم، بل وأضحوا أدوات تستعمل عندما يشاء دولة ومعالي وسعادة “الإله المسؤول” تمرير صفقة من هنا أو تنفيعة من هناك أو إظهار نفسه بمظهر الملاك الرحيم الذي يقود جيش الدفاع عن حقوق اللبنانيين، فترى جنوده يخوضون حرباً بالوكالة عنه وكأنهم لا يوقنون كذبه وافتراءه.

ولهؤلاء أدواتهم، تبدأ بالإعلام المملوك من رواد البلاط الملكي، إعلامٌ تتساوى لديه الموضوعية مع جناح البعوضة، إعلامٌ يكفيه مهانةً سماعُ أصوات القهقهة في حلقات مقابلاته المعدة سلفاً لتلميع أحذية المعالي والتطبيل لخطاباتِ السعادة.

وتنتقل إلى المسؤولين الحزبيين الذين يستميتون دفاعاً وذوداً عن صرة الدنانير الشهرية، هؤلاء الحائزون على شهادات التشويه والتلفيق والمواربة والغشّ والافتراء والدجل والخداع، كلٌ في سبيل تعليق نجوم على الأكتاف والفوز بعطيّة أو هبة على شكل واسطة.

ثم تنتقل إلى مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي الذين أخذوا على عاتقهم شيطنة الثورة، هذه المواقع التي ساوت بين المثقف والجاهل، وجعلت للأخير منبراً يرمي فيه فضلاته الفكرية ويستعرض فيه عضلاتٍ ترسلُ إليه على الخاص، فتراه متناقضاً بين منشور وآخر.

كل هؤلاء شاركوا بحملة تركيع الثورة، شنوا عليها أعتى الهجمات الطائفية والمذهبية والعنصرية، لعبوا على وتر الانتماءات، نقلوا على المباشر من لا يفقه قولاً، حتى صبغها بعضهم بصبغة الثورة السورية، وألبسها البعض الآخر عباءة الزعران.

هؤلاء الجنود كانوا المتاريس الأمامية التي احتمى خلفها من كنا نظنهم جبابرة، من كنا لوهلة نظنهم آلهة على شاكلة زيوس وهرقل وأخيل. بمكان ما، ثَبُتَ أنهم أساطير، ونعم كُسر حاجز الخوف بينهم وبين من لعنهم وشتمهم في الطرقات، وهذا بحد ذاته إنجاز. ولكن الثورة الواعية لم تستطع حتى الآن، كسر رابط العبودية بين سلاطين الطوائف وقسم الحرملك التابع لهم.

لكل ما تقدم، نحتاج إلى المجانين، وحدهم يؤمنون بالعودة إلى الساحات، وحدهم لديهم يقينٌ بأن الحربَ صولاتٌ وجولات، وأن الجولة القادمة ستكون أصعبُ وأقسى.

  وحدهم لديهم المقدرة في الثورة على مجتمعٍ تمكن منه الوضع الاقتصادي حتى ظنّ أن الثورة ما جاءت إلا بالخراب، على مجتمع أصبح يؤمن خوفا وجُبنا أن العودة لعبادة أصنام السلطة أهون من بلاء الإجرام الذي رأيناه على يد جنودهم.

وهنا يترتب على هؤلاء المجانين مسؤولية أكبر، فالمعركة المقبلة ستكون بلا غطاءٍ شعبيٍ، ستكون حرباً بلا هوادة، سيستخدم فيها “هبَلُ” و”لَاتُ” الطوائف أساليبهم الإجرامية والملتوية جميعها (وهم مجرمون بطبع تاريخهم) لدحر وتمزيق كل من يفكر بالمسّ بهالتهم، وأرضُ الوغى ستكون أرضهم.

لأولئك المجانين، الفدائيين، الكامكازيين، نقول: كم من فئة صغيرة، غلبت فئة كبيرة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى