
لبنان عربي – نادر علوش

نجحت كل من تركيا وروسيا في إعادة الهدوء لشمال غربي سوريا بعد أسابيع من تصعيد عسكري سوري، أجبر أنقرة على إطلاق عمليتها العسكرية المسماة “درع الربيع” بهدف التصدي لتقدم قوات النظام السوري وحلفائه.
اتفاق على وقف جميع أشكال العمليات القتالية في منطقة خفض التصعيد الثالثة، بين قوات النظام وداعميها من الميليشيات الطائفية، وبين فصائل المعارضة السورية.
يعتبر الاتفاق بشأن إدلب ملحقا إضافيا لاتفاق سوتشي، ويشمل ثلاث نقاط أساسية:
أولا: وقف كافة الأنشطة العسكرية على طول خط التماس في منطقة خفض التصعيد بإدلب، بدءا من منتصف ليل الخميس.
ثانيا: إنشاء ممر آمن عرضه 6 كلم شمالي الطريق الدولي “أم 4″، و6 كلم جنوبي الطريق، على أن تنسق المعايير الدقيقة لعمل الممر بين وزراتي دفاع البلدين في غضون أسبوع.
ثالثا: تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة اعتبارا من 15 مارس/آذار الجاري، على امتداد الطريق البري “أم 4” بين منطقتي ترنبة غرب سراقب وعين الحمرا.
لكن الاتفاق الذي جاء بعد محادثات ماراثونية امتدت 6 ساعات وقادها الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين جاء غامضا، ولم يحسم نقاط خلافية لا تزال قائمة بين أنقرة وموسكو، كما لم يحقق لأي من الجانبين ما كان يطالب فيه على مدى أسابيع من التصعيد.
البعض وصف الاتفاق بأنه “اتفاق الضرورة” لتفادي صدام محتمل بين تركيا وروسيا على الأراضي السورية. فروسيا الخارجة بأقل المكاسب من هذا الاتفاق ستضع حدا للانخراط العسكري التركي في سوريا، والذي كان أثره مدمرا على قوات النظام السوري التي تكبدت خسائر فادحة بالأرواح والعتاد، جراء الضربات الجوية للطائرات التركية المسيرة والتي أحدثت نوعا من التوازن العسكري بين المعارضة والنظام بعدما حرمت طائراته من التحليق مجددا في سماء إدلب.
أما بالنسبة لتركيا فسيعمل الاتفاق على تجميد تقدم قوات النظام ومنعها من قضم مزيد من منطقة خفض التصعيد الثالثة، وعلى المستوى الداخلي ترى أنقرة في الاتفاق خطوة مهمة لضمان أمن حدودها وجنودها.
وفي حديث لـ “لبنان عربي” قال الكاتب الصحفي السوري حسين عبد العزيز إن “الاتفاق التركي الروسي حول إدلب ما يزال غامضا في كثير من النقاط، منها مصير الطريق الدولي “أم 5 ” الذي يربط شمال سوريا بجنوبها”، فرغم سيطرة النظام بدعم روسي على مساحات واسعة شرق وغرب الطريق المذكور لكنه لم يستطع تأمينه بشكل كامل، إذ أن فصائل المعارضة السورية ترصد الطريق الدولي ناريا من الجانب الغربي انطلاقا من بلدة أفس شمال سراقب وصولا إلى مدينة معرة النعمان جنوبا. كما لم يحدد اتفاق موسكو مصير المنظمات التي تصفها روسيا بالإرهابية وتطالب بفصلها عن فصائل المعارضة وهي إحدى النقاط التي تذرعت روسيا بها لدعم هجوم النظام الأخير على إدلب”.
يضيف عبد العزيز “أن الاتفاق لم يحدد مصير مدينة سراقب الاستراتيجية ، التي تقع على مفترق الطريقين الدوليين الأهمين في سوريا “أم 4” و “أم 5 ” وقبل دقائق من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ كانت الاشتباكات لا تزال محتدمة غربي سراقب”.
واعتبر عبد العزيز أن “الاتفاق التركي الروسي هو اتفاق مؤقت، ما يعني أن تجدد المعارك قد يحدث بعد فترة”. وأن ذلك مكمن الخلاف بين الجانبين إذ أن تركيا تطالب باتفاق طويل الأمد بينما روسيا تعتمد سياسة القضم البطيء كما حدث لباقي مناطق خفض التصعيد التي أنشأتها كل من تركيا وروسيا وإيران والتي انتهت جميعها ما عدا منطقة إدلب لسيطرة النظام السوري بعد هجمات دامية خلفت آلاف القتلى والجرحى والمهجرين.
كما أن هناك نقطة أخرى بالغة الأهمية لم يلحظها اتفاق وقف إطلاق النار تتمثل بمصير نقاط المراقبة التركية في إدلب وحلب التي بات أغلبها محاصرا من قبل قوات النظام السوري بفعل هجومه الأخير، وهي أيضا من النقاط الخلافية مع موسكو، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أن نقاط المراقبة التركية ستحتفظ بوضعها الحالي ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته أنقرة مع روسيا، وأضاف أن الاتفاق وضع الأساس لإعادة الأوضاع في المنطقة إلى طبيعتها.
من جانب آخر عبر محللون عن مخاوفهم من أن يلقى الاتفاق الأخير نفس مصير الاتفاقات الأخرى لأنه لم يتناول الأزمة الإنسانية أو الحماية الجوية بأي تفصيل.
وقال جاليب دالاي الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية لرويترز “هذا الاتفاق لم يُصغ على نحو يضمن استمراره بل على نحو يجعل مآِله الفشل.. وللأسف في المستقبل غير البعيد”.
وتابع “أي ترتيب لوقف إطلاق النار في إدلب، ما لم يتضمن منطقة حظر طيران، سيكون مصيره الفشل. الاتفاقات السابقة لم تؤد قط إلى خفض التصعيد، وإنما جمدت الأزمة حتى التصعيد التالي”.