
لبنان عربي – طارق المبيض

يقول وليم شكسبير”إنّ المصائب لا تأتي فرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيش”. هذا حالُ اللبنانيين منذُ نيّفٍ وعام. تكادُ لا تنقضي أزمةٌ حتّى تُطلّ برأسها أخرى على هذا الوطن الذي قال عنه بيار الجميل الجدّ يوماً: “قوة لبنان في ضعفه”. هذا الضعف يتحول يوماً بعد يوم الى عجز، أو ربما ارهاصات انهيارٍ في هياكِل الدولة، بعد أن إنهار قسمٌ من شعبه على أبواب السفارات أو أمام أبواب المستشفيات…
منذ أسابيع يقفُ لبنان على ابوابِ أزمة الخبز، بعد أزمات الدولار والمحروقات والاستشفاء. هذه الأزمة أعلن عنها رسمياً مساء الأحد نقيب أصحاب الأفران كاظم ابراهيم في اتصال مع “الجديد”، أكد فيه للبنانيين أن الخبز سيتوقف إنتاجه بدءاً من منتصف ليل الأحد الاثنين، “وإلى أن يشاء الله” حسب تعبيره…لكن سرعان ما تبخّر كلام النقيب وعاد الخبز الى الأفران على الرغم من وقوف اللبنانيين في طوابير طويلة للحصول عليه. فلماذا أعلن عن الاضراب وكيف ألغي؟
يتذرع أصحاب الأفران بأزمة الدولار وارتفاع أسعار الطحين والقمح ما يسهم في تراجع أرباحهم، لذلك أعلنوا الاضراب، وهم كانوا قد ألغوا إضرابا مماثلاً في الرابع عشر من تشرين الثاني ٢٠١٩ أي قبل أربعة أشهر، على أمل أن يُصار إلى حل عدة مسائل شائكة تتعلق بتأمين سعر صرف عادل للدولار، بالإضافة إلى الاتفاق على وزن ربطة الخبز التي تباع بـ ١٥٠٠ ليرة لبنانية.
يومها ورغم تعليق الاضراب، دعت نقابة الافران إلى تخفيض وزن ربطة الخبز مئة غرام. لكن هذا القرار استتبع برد حاسم من وزير الاقتصاد في الحكومة السابقة منصور بطيش بان قرار نقابة الافران هو “قرار أمر واقع” سيُجابهه بالقانون، فنُظمت محاضر ضبط بعدد من الافران التي عمدت إلى خفض وزن ربطة الخبز.
وقد عمد حينها الوزير بطيش إلى تأليف لجنة لاحتساب كلفة ربطة الخبز، فتبين أن الكلفة لا تتجاوز الالف ليرة لبنانية، وبالتالي فإن أرباح الافران تتجاوز الـ ٥٠٪ في ربطة الخبز المدعومة فيما تتجاوز نسبة الـ٧٠٪ للأصناف الأخرى التي تباع بأسعار حرة ويُستعمل فيها الطحين المدعوم. وأفادت اللجنة أنّه وحتى مع ارتفاع سعر صرف الدولار، فإن هامش ربح المطاحن والافران يبقى مقبولاً.
يشار في هذا السياق بأن دعم ربطة الخبز (١٥٠٠ ليرة يبلغ وزنها ١٠٠٠ غرام) يكلف الدولة اللبنانية نصف موازنة وزارة الاقتصاد اي حوالي ١٢ مليون ليرة سنوياً. فيما لا تخضع كل انواع الخبز الاخرى إلى تسعيرة ومواصفات وزارة الاقتصاد، (الخبز الأسمر والكعك وربطة الـ ١٠٠٠ ليرة لبنانية).
نقابة الأفران ترفض وضع مؤشر لسعر ربطة الخبز
وزير الاقتصاد الجديد راوول نعمة كما سلفه منصور بطيش لم يُجارِ كارتل الافران في رغبتهم زيادة سعر ربطة الخبز، واقترح تأليف لجنة متخصصة يكون فيها ممثلون عن نقابتي الافران والمطاحن. مهمتها وضع مؤشر سعر ربطة الخبز بشكل دوري، لكن نقابة الافران بحسب مصادر “لبنان عربي” رفضت ذلك، وأصرت على المضي بالمطالبة برفع سعر ربطة الخبز او تخفيض وزنها.
ما يدفع للتساؤل: هل نقابة الأفران أقوى بحكم الأمر الواقع من الدولة حتى ترفض وضع مؤشر لسعر ربطة الخبز؟ ومن يحمي نقابة الأفران ويدعمها ويؤمن لها الغطاء حتى تستمر في متاجرتها برغيف خبز اللبنانيين؟ أليست السلطة نفسها؟ عبر شركات أربع تتبع لمسؤول سياسي او اقتصادي لا يحق لسواها استيراد القمح والطحين من روسيا واوكرانيا بمبلغ يصل قرابة 150 مليون دولار من القمح و20 مليون دولار من الطحين (تُستخدم في صناعة الكعك Baguette ) وفقا للدولية للمعلومات، حيث أشار رئيسها جواد عدرة ان نسبة أرباح هؤلاء تتراوح بين 30 و 100%، نظرا لكون القمح كما البورصة يتغير سعره يوميا؟!.
وكان الإضراب -فيما لو حصل ليل الاحد الاثنين- سيؤدي إلى اندلاع احتجاجات جديدة، لولا أن تداركته أحزاب السلطة باتصالات مكثفة ضغطت على نقابة أصحاب الأفران لالغاء الإضراب، خصوصاً وأن عدة طرقات كانت قد قُطعت وبالتحديد في بيروت. فيما استغل ناشطو الحراك الثوري (١٧ تشرين) تجمع المواطنين أمام الافران لتوجيه رسائل تدعو إلى استمرار “الثورة ضد السلطة”.
الحكومة إذا، امام تحدٍ جديد. عليها أن تثبت به نفسها، لأن صرخة المواطنين تكادُ تبلغُ الحناجر، والتعبُ على وشكِ أن ينزل بهم مجددا إلى الساحات، ولكن هذه المرة بزخمٍ أقوى. فهل من اجراءات رسمية ستتخذ لوضع حد للمتاجرين برغيف اللبنانيين؟