
لبنان عربي – نادر علوش

للمرة الأولى يتحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن دولة فلسطينية، خلال طرحه “صفقة القرن” أو ما سماها خطته للسلام في الشرق الأوسط، إلا أن الدولة المفترضة في المخيلة الأمريكية لا تعدو كونها كونتونات مقطعة الأوصال تفصل بينها مستوطنات إسرائيلية وكأنها جزر مترامية الاطراف.
قضايا الحل النهائي
الخطة الأمريكية وضعت أطرا لحل القضايا الرئيسية في الصراع، أو ما تعرف بقضايا “الحل النهائي”، وهي أطر ليست إلا استنساخا لأطروحات سابقة قدمها إسرائيليون يمينيون في وقت لم تكن فيه ظروف الإقليم تسمح بتحوّلها إلى خطة يمكن تبنّيها من قبل واشنطن.
ففيما يتعلق بالحدود وهي من القضايا الرئيسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن رؤية ترامب تفرض إعادة رسم الحدود في الضفة الغربية المحتلة، بالتماهي مع الرؤية الإسرائيلية، وبموجبها تصبح أكثر من 470 مستوطنة مقامة على أراض فلسطينية جزءا من دولة إسرائيل، بينما يحشر قرابة أربعة ملايين فلسطيني وفق ما أعلنه مركز الإحصاء الفلسطيني لعام 2020 في كانتونات معزولة تشكل نحو أقل من أربعين في المئة من أراضي الضفة الغربية، هذه المستوطنات إضافةً إلى غور الأردن ستكون تحت السيادة الاسرائيلية، ما يحرم الفلسطينيين من مُتنفَس وحيد الى العالم الخارجي. وهو الأمر الذي يظهر الحرص الإسرائيلي بقضايا أمن المياه، باعتبارها إحدى ركائز الأمن القومي.

وتحسم الخطة الأميركية، بصورة واضحة، قضية القدس المحتلة، إذ تعتبر القدس بشقيها الشرقي والغربي عاصمة إسرائيل الموحدة وغير المجزأة، في حين تكون عاصمة الدولة الفلسطينية المفترضة في ضواحي مدينة القدس. ما يشكل تجاوزا واضحا للمرجعيات السياسية التقليدية لمسار التسوية.
وفيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين، فإن خطة ترمب تقضي بعودة خمسين ألف لاجئ كحد أقصى، في حين يَجري توطين اللاجئين الآخرين في الدول التي يقيمون فيها، وهو طرح يقول كثيرون إن الهدف منه تصفية تامة للقضية الفلسطينية.
مروحة التطبيع العربي الإسرائيلي
كثيرون يجمعون على أن ترامب ما كان ليعلن خطة كهذه قبل تجنيده أنظمة عربية تولت عملية الترويج لصفقة القرن على الصعيدين السياسي والشعبي، لا سيما تلك الأنظمة التي تقف على مليارات شعوبها، فبنود الصفقة الأساسية قائمة على أساس طمس البعد السياسي للقضية الفلسطينية واستدعاء المال لحلّها باعتبارها مسألة إغاثية.
أضف إلى ذلك مروحة التطبيع العربي الإسرائيلي التي بدأت بالدوران، وليس أدل على ذلك من حضور سفراء ثلاث دول خليجية مراسيم إعلان صفقة القرن والكشف مؤخرا عن مساع لتطبيع العلاقة بين السودان وإسرائيل بدفع من الإمارات حيث ذكرت صف عبرية أن أبو ظبي هي من نسقت لاجتماع التقى فيه بنيامين نتياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته برئيس مجلس لسيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في أوغندا، ناهيك عن كشف دبلوماسي عربي لصحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية عن اتصالات مكثفة تجري لعقد قمة في العاصمة المصرية القاهرة، تجمع نتنياهو، بولي العهد السعودي محمد بن سلما، إذ تنقل الصحيفة عن الدبلوماسي الذي وصفته بالكبير، قوله “إن اتصالات مكثفة تجري بين واشنطن وإسرائيل ومصر والسعودية لعقد قمة القاهرة خلال الأسابيع القليلة المقبلة”.
خيارات الفلسطينيين محدودة
هرولة بعض العواصم العربية نحو التطبيع، يضع الفلسطينيين أمام خيارات محدودة وضعيفة في مواجهة الصفقة الأمريكية، ويعتقد البعض أنها لن تخرج من دائرة الرفض والتنديد في ظل حالة الانقسام المستمر، بينما تمضي إسرائيل قدما في نسج علاقاتها مع عواصم عربية بموازاة البدء في تنفيذ أولى خطوات صفقة القرن عبر حسم مسألة ضم كل مستوطنات الضفة الغربية المحتلة.

ورغم الدعوة التي وجهها رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية التي أبدى فيها استعداده للقاء عاجل مع كوادر حركة فتح وجميع الفصائل في القاهرة لتنسيق خطوات الرد يبدوا أن الفلسطينيين غير قادرين على تجاوز حالة الانقسام المستمر منذ 2007 حتى في ظل ظروف كهذه، ما يبدد أي أمل لدى الشعب الفلسطيني في إنهاء حالة الانقسام يأي والتجهز للتصدي لمخطط أمريكي يسعى لتصفية قضيتهم بأياد عربية.
وإن أكثر المتفائلين في إمكانية تجاوز القضية الفلسطينية “محنة القرن” حسب وصفهم يرى أن الخيار الأمثل للفلسطينيين هو في انتفاضة شعبية بعيدة عن المقاومة المسلحة، حيث يميل فيها ميزان القوة لصالح إسرائيل ما يعطيها مبررا لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية. ولا بد من الاشارة أن تحقيق نتائج مرضية لأي حراك شعبي فلسطيني، مرهون بإنهاء حالة الانقسام ورص الصفوف لمواجهة صفقة قد تقضي على أي حلم باستعادة الحقوق الفلسطينية وبناء دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.