الرئيسيةمحليات

مَن يُحرك الشارع في طرابلس؟ ولماذا؟

لبنان عربي – مصطفى العويك

منذ ثلاثة أيام ومدينة طرابلس اللبنانية تعيش على وقع التظاهرات الشعبية المطلبية رغم كل ما يُحكى عن مخاوف من إزدياد نسب انتشار فيروس كورونا. فقرار الإقفال العام في البلاد لم ينزل بردا وسلاما على صدور شرائح كثيرة من اللبنانيين عامة والطرابلسيين خاصة، الذين يعانون من أحوال إقتصادية ضاغطة وتهميش إجتماعي متأصل، وإنعدام في الرعاية الرسمية متجذر وتاريخي.

الشباب في الساحة

شباب في مقتبل العمر، أوجه جديدة في الساحة، هؤلاء ممن كانوا يتابعون أجواء المعارك بين جبل محسن والتبانة، من نوافذ منازلهم المطلة على ساحات المعارك، وعبر شاشات التلفزة التي تنقل الأحداث وفق أهواء ممولها، كانوا مشاهدين عن بُعد، اليوم باتوا هم صُنّاع الحدث. فكيف نزلوا الى الساحات وتحت أي شعارات؟ وهل هناك من أوعز لهم بالنزول مستغلا أوضاعهم الاجتماعية المتداعية؟ أم ان الغضب الذي عبّروا عنه ليس الا تعبيرا داخليا عن ظلم يعيشونه وضاقوا ذرعا به؟

من يحرك الشارع في طرابلس؟

في المعطيات الميدانية أن التحركات جاءت كردة فعل على قرار الإقفال العام وتمديده الى شباط المقبل، فتحركت مجموعات شبابية ممن عرفتهم الناس في فترة ثورة 17 تشرين، جابوا الطرقات مرددين شعارات ضد الطبقة السياسية، ومنددين بالتشديد في ملف الاقفال في طرابلس، على اعتبار انها تضم الفئة الأكثر فقرا في لبنان، ومرّوا على بيوت النواب شاتمين  مطبلين، ومحملين اياهم مسؤولية ما وصلت اليه طرابلس.

ماذا جرى بعد ذلك؟

تتضارب الروايات هنا، منها ما يقول ان هذه المجموعات توجهت ناحية ساحة النور حيث لاقتها مجموعات شبابية صغيرة العمر وقليلة العدد، ما لبثت أن بدأت تطلق شعارات “بدنا ناكل بدنا نعيش”، “الجوع كافر”، وبدأت مباشرة في التعدي على عناصر القوى الأمنية التي إنتشرت في الساحة لتأمين وحماية المتظاهرين، وارتفع بعد ذلك منسوب الاشتباك بين الطرفين، وأبدت المجموعات الشبابية اصرارا لافتا منذ الساعات الأولى على المواجهة مع قوى الأمن، ومحاولة اقتحام سراي طرابلس، وقد تبلور ذلك أيضا برمي الحجارة الى داخل السرايا وتكسير سيارة تابعة لقوى الأمن ومن ثم التوجه نحو مخفر التل ومحاولة احراقه دون النجاح في ذلك، وتقول هذه الرواية أنه كان ملفتا أيضا أنه عندما ازداد منسوب الاشتباك وتدخل الجيش تراجعت هذه المجموعات تلقائيا الى الشوارع الضيقة والاسواق الداخلية، وكأنها تبلغت رسالة ما ببدء الانسحاب من الساحات.

وهناك رواية أخرى تفيد بأن المتظاهرين من مجموعات الثورة لم يعودوا الى الساحة وإنما انفضوا من أمام منزل النائب فيصل كرامي وأن قلة منهم فقط توجهت نحو ساحة النور، وأن هذه القلة تدور في فلك ما يسمى بالمنتديات وحزب سبعة، ومنهم من هو على تواصل مع الأجهزة الإستخباراتية في المدينة. وهناك التقوا مع المجموعات الشبابية التي كانت بدأت تتجمع وتندد بالوضع الاقتصادي الصعب، ولحظة الإلتقاء هذه كانت بمثابة الإشارة لبدء التصعيد ضد قوى الأمن…

إصرارا على مواجهة قوى الأمن!

اللافت في الروايتين أن هناك اتفاق على ان الشارع تحرك تصاعديا لحظة تشابك المجموعات ببعضها البعض، في ما ظهر كأنه تنسيق مسبق لبدء إشعال فتيل التصعيد…وهذا ما يترك علامات استفهام كبيرة عن طبيعة الهدف المشترك الذي يسعى له من يحرك هذه المجموعات، وهل هو هدف سياسي واحد تجتمع عليه قوى سياسية متنوعة؟ ام هو هدف أمني يراد من خلاله النيل من قوى الأمن الداخلي التي للمرة الأولى توضع مباشرة وعلى هذا المستوى قبالة المتظاهرين؟ وما المبُتغى وراء ذلك؟

مصادر أمنية قالت لـ“لبنان عربي“: “وردتنا معلومات منذ أسبوع ان هناك نية لاستهداف بعض المخافر في طرابلس، وان التحركات التي ستتظلل بعباءة الوضع المعيشي سيكون الهدف منها تصوير قوى الأمن الداخلي على انها “ِشرطة قمع الفقير” في المدينة الأفقر في لبنان، لذلك ستكون هي بوصلة أي تحرك”، وتضيف المصادر:”لعبت بعض وسائل الإعلام المرئية دورا سلبيا في إظهار الطرابلسيين على أنهم غير ملتزمين بالاقفال العام، وان بائع الكعك مثلا لا يضع كمامة ويعمل كعادته والبلد مقفل، وتوجب علينا بعد ذلك التشدد، فكان التشدد ذريعة لتشويه صورة قوى الأمن وإستهدافها معنويا”.

رسالة سياسية الى الحريري

المصادر لا تشير الى توظيف بعض الأجهزة العسكرية هذا الأمر لصالحها، تكتفي بالقول:”لسنا ضد الناس ونحن منهم ونعيش أوضاعا إقتصادية صعبة كما يعيشون”، كما أنها لا تدخل في عميلة الاستهداف السياسي لدورها وخلفية قيادتها السياسية، الا انه من الواضح أن ماجرى في المدينة بجزء منه كان هدفه توجيه رسالة سياسية عبر الشارع للرئيس سعد الحريري من خلال إستهداف القوى الأمنية التي تضطر الى الرد بالغاز المسيل للدموع والدفاع عن نفسها، للقول له أسرع في التوجه نحو بعبدا ووافق على طرح الرئيس ميشال عون الوزاري، والا فإن مناطقك السنية التي تشهد معارك طاجنة بين القوى الأمنية القريبة منك ومجموعات شبابية محسوبة عليك طائفيا، قد تخرج عن حدودها وتصبح السيطرة عليها صعبة المنال…

التمهيد لمحاولة اقتحام السراي

ماذا عن دور الجيش؟

وفي محصلة الروايتين أيضا، يشير الكثير ممن تابعوا عن قرب ما جرى في الساحة خلال  ثلاث ليال، ان الجيش اللبناني كان يقف على الحياد ولا يتدخل الا بعد ان تشتد حدة الاشتباكات، هذا ما حدث عند محاولة إقتحام السراي الذي خلف اصابات عديدة في عناصر قوى الأمن وفي طليعتهم الضباط، وهذا ما جرى عند محاولة إحراق مخفر التل، وعند تدخله فجأة يبدأ الشباب بإطلاق صرخات التأييد له ” الله محيي الجيش”، وبعدها ينفذون انسحابا تكتيا، وهذا ما يطرح بالحد الأدنى السؤال التالي: طالما ان القيادات العسكرية “انتبهت” لهذه الخطوة من قبل المتظاهرين، فلماذا لم تتحرك مباشرة في اليوم الثاني والثالث وتزيل عن ظهر المدينة كاهل ما جرى؟ هل هذا يحيلنا الى قلة تنسيق بين القوى الأمنية والعسكرية؟ أم أن دوافع سياسية أملت على أن يكون المشهد على ما كان عليه؟ وإن كان كذلك فهذا يعني أن الذين يديرون الشارع يمسكون بزمام المجموعات من جهة وبقدرة الجيش على التحرك من جهة ثانية، وهذه فرضية تحتاج الى أدلة لاثباتها.

الأحزاب والقوى التي حركت الشارع؟

يتهم التيار الوطني الحر صراحة تيار المستقبل بأنه يحرك الشارع ويستدل على ذلك ان الشارع السني في المناطق التي يحظى الحريري بحضور فيها هي التي تحركت، وان الهدف هو دفع الرئيس عون الى قبول التشكيلة الوزارية التي تقدم بها الرئيس المكلف، ويرضخ للأمر الواقع. اما حزب الله فقد اتهم عبر إعلامه كل من المنتديات واللواء أشرف ريفي وحزب سبعة والقوات اللبنانية بتحريض الشارع الطرابلسي على التحرك، فيما يتهم تيار المستقبل العهد واعوانه بالضغط على الحريري في الشارع لقبوله بشروط عون وتشكيل الحكومة العتيدة، وانه هو من يحرك هذه المجموعات ويستغل فقرها وعوزها، وتجمعه مصلحة بذلك مع المنتديات وسواها ممن يتواجدون في الشارع.

في المحصلة يبدو ان الكل يحاول ان يجيّر حركة الشارع لصالحه، ويوظفها سياسيا للضغط على خصمه السياسي، فيما المدينة تتحضر لحملة تصعيد جديدة خاصة بعد ان سجلت ساعات الصباح الأولى استشهاد الشاب عمر طيبة من منطقة التبانة، بعد اصابته مساء أمس خلال الاشتباكات…والكل يسأل أي لبوس سيلبّس لطرابلس؟ شكله؟ امتداداته؟ تداعياته؟ وأي ثمن ستدفعه وناسها جراء ذلك؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى