
طارق المبيض

غني عن الذكر القول بأن مفهوم الدولة في لبنان هشّ لدرجة أنّ كُلّ شيءٍ يحلُّ مكانها. لا نريد أن نستعرض النظريات سريعاً، لكن يكفينا مراقبة آثار الأزمة السورية على لبنان، وكيف سلّم هذا البلد زمام المبادرة للمنظمات الدولية لحله ومتابعته، اضافة الى بعض الجمعيات الخيرية اللبنانية والعربية. مع العلم أن معظم الدول التي استضافت اللاجئين السوريين تعاطت الأجهزة الرسمية معهم وأحصتهم، وتعاملت معهم وفق ما تقتضي مصلحة الدولة، اضافة طبعاً الى وضعهم الانساني الصعب. في كل الأزمات كانت الدولة دوماً متأخرة بخطوة عن المجتمع المدني، وبطبيعة الحال عن المجتمع الدولي، وهذا له أسبابه، اذ أن القبيلة والطائفة والعشيرة ما زالت أقوى من أجهزة الدولة وبيروقراطيتها، وهنا لا بُدّ لنا ازاء الأزمات المتلاحقة التي يعيشها لبنان أن نتعامل مع الواقع كما هو. ونحن نتكلم هنا على الصعيد الانساني. لأن الصعيد السياسي لا يحتمل العودة الى المكون الاول اي العائلة او العشيرة او الطائفة. الصعيد الانساني يجب أن تتعامل معه المؤسسات الطائفية التي تنام على بحرٍ من الأموال والأملاك والمداخيل السنوية. اضافة الى المؤسسات العائلية. ألم تصدّع آذاننا المؤسسات الدينية بضرورة الوقوف مع الفقراء، لأنهم العطايا لهم جسرٌ للعبور الى الجنّة. ألا تصدح حناجر هؤلاء على المنابر وفي العظات مستنكرةً “وقوف المجتمع الدولي مكتوف الايدي ازاء مآسي المسلمين واضطهاد المسيحيين” على امتداد هذا العالم. ألم ينظم هؤلاء حملات لدعم الشعب السوري، والشعب الفلسطيني ووصلت بهم الأمور للدعوة الى مساعدة أقليات الايغور والروهينغا في بنغلادش والصين! أليس من باب أولى أن ينظروا الى هؤلاء الفقراء من أبناء طوائفهم، الذين يعجزون عن سداد ايجار المنزل او اعالة ابنائهم وتأمين المستلزمات الرئيسية؟ وبعد ذاك، وبالعودة الى المكون الرئيس للمجتمع اللبناني، اي العائلة. اليس من الواجب الاجتماعي، والتقاليد التي توارثناها عن اجدادنا ان نقف مع “ابن العم”؟ لماذا نجدُ “الروابط العائلية” تُفعّل قبيل كل استحقاق نيابي فقط. لماذا تصدر المبادرات من قبل الناشطين في كل عائلة قبل كل استحقاق لشراء كراسٍ، وشوادر يطبع عليها رابطة “ال فلان”، ولماذا تجتمع العائلة لدعم هذا المرشح مادياً، وتعجزُ عن التكافل تجاه فقرائها! لماذا تجتمع العائلة بكبارها وصغارها، وتدفع من أموال فقرائها لترشيح هذا لمنصب مختار او عضو بلديٍ او نائب. ثم نراها مكتوفة الايدي عند الملمات الكبرى. حينما يجد الفقير نفسه حبيس الجدران الأربع بين أبنائه، يكافح من اجل ربطة الخبز، فيما لا يسمع من عائلته صوتاً يخفف عنه معاناته! كانت الطوائف والعوائل والتعصبُ مسؤولة عن جُزء كبير من الحالة التي وصل اليها لبنان. أولينا اهتمامنا لعوائلنا وطوائفنا بدل بناء مؤسسات وهيئات واحزاب لاطائفية هدفها خدمة الانسان. حان الان وقت دفع الثمن. لكن الموقف رهيب، لأننا سنقف أمام الحقيقة الكبرى: تتفرجُ العائلة والطائفة علينا فيما نحنُ نلفظُ أنفاسنا الأخيرة.