القوى السياسية تطلق حملتها الانتخابية من بوابة 4 آب: الانفجار الناخب الأبرز!

لبنان عربي – تقرير
في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب، كَثُرت الحملات السياسية والإعلامية التي أوغلت كثيراً في الاستثمار في جراح وآلام أهالي شهداء وجرحى الانفجار.
ما يحصل على الرغم من بشاعته، لا يعد خروجاً عن المألوف اللبناني، فالاستثمار في دماء الشهداء من العادات السياسية الموروثة في بلدنا منذ زمن بعيد، لكن الأفظع في هذا المسار، هو العمل على تحويل الانفجار الى قضية مسيحية صرفة، وهو أمر غير صحيح، سيما أن التدقيق في لائحة الشهداء، يؤكد بشكل لا لُبس فيه أنهم من جميع الطوائف والملل والنِحل.
وإذا كان الانفجار قد نجم عنه تدمير نصف العاصمة المسيحي، فهي مصادفة مكانية بحتة، لا تعني بأي شكل من الأشكال وجود تواطؤ اسلامي لـ”تهشيل” المسيحيين والقضاء على مناطقهم، حسبما يُروج.
الأصل في الموضوع هو الاستثمار في الدماء، والذي عدا عن كونه حرفة سياسية لبنانية، فهو العنوان الوحيد الذي تستطيع بعض القوى السياسية المفلسة رفعه شعاراً لحملتها الانتخابية.
ونحن على أبواب انتخابات نيابية، ستُجرى في ظل أزمة اقتصادية وانهيار مالي وتفسخ مجتمعي، فماذا في جعبة الأحزاب والتيارات السياسية من شعارات جاذبة سوى الحمية المزيفة لشهداء الانفجار، بغية تحريك الغرائز الطائفية وزيادة منسوب الشحن المذهبي الى أقصى مدى ممكن؟
التحريض المسيحي هجوماً
يأتي في طليعة هذه القوى المفلسة، “التيار الوطني الحر”، الذي ما انفك منذ لحظة الانفجار، يحاول وبشكل محموم، الصاق المسؤولية بالمسلمين لدرء شبهات التقصير عنه، ولحرف الأنظار عن مسؤوليته في الانهيار الذي تشهده البلاد، وعجزه عن إعادة اعمار ما تهدم، مستثنياً بالطبع حليفه “حزب الله” من تلك الحملات، كأنه غير موجود، أو كأنه جمعية خيرية تمارس أنشطة ذات طابع اجتماعي.
وفي هذا الصدد، يتقاطع “التيار الوطني الحر” مع “القوات اللبنانية”، و”حزب الكتائب”، ومعهم بعض المنظمات والشخصيات المسيحية التي تسعى للعب دور سياسي، في الاستثمار في دماء الشهداء، عبر تسعير الخطاب الشعبوي والفئوي، وزيادة منسوب الضخ الإعلامي التحريضي.
بيد أن هذا التقاطع هو ظرفي وعابر، فهذه القوى ما كان لها أن تتحلق حول شعار العدالة لـ”شهداء 4 آب المسيحيين”، إلا لأنها تتسابق للحصول على الحصة الأكبر من الكعكة النيابية المسيحية، والتي تشكل معبراً الزامياً نحو كرسي رئاسة الجمهورية الذي يدغدغ مخيلة كل سياسي ماروني.
والإسلامي دفاعاً
في المقابل، ليست القوى الاسلامية بريئة من هذه الحملات، فعلى الرغم من أنها الهدف الرئيس فيها، إلا أنها تتركها تتفاعل على الساحة الشعبية، عمداً لا عجزاً، بهدف استدرار عطف ناسها، وشد العصب المذهبي والطائفي على مشارف الانتخابات، وفي طليعة هذه القوى “تيار المستقبل”.
ومخطئ من يظن أن هذه الحملات المذهبية ستؤثر على مكانة المستقبل الجماهيرية المتهاوية، بل على العكس تماماً، ستساعده في إعادة وصل ما انقطع مع جمهوره المنفض عنه وعن سياساته، تحت راية “مظلومية أهل السنة”.
وغير بعيد عن المستقبل، هناك “حركة أمل” التي تحاول الاستفادة من هذه الحملات الموجهة ضدها، لشد عصب “شيعتها”، ليس في مواجهة خصومها، إنما لمواجهة محاولات “حزب الله” ابتلاعها.
أما وليد جنبلاط فهو يحاول النأي بنفسه وبجمهوره و”جبله”، وإن كان قد نجح في سحب اسم غازي العريضي من لوائح الاتهام، الا أنه يعلم في قرارة نفسه أن حماوة السباق الانتخابي ستعيده مع حزبه وممثليه في مقاعد السلطة الى قلب لوائح الاتهام، لذلك نراه ينشط في محاولة توحيد الصف الدرزي كي لا يمنح خصومه فرصة النيل منه ومن حضوره السياسي بسلاح خَبِرَهُ ويعرف مدى تأثيره.
الشحن والشحن المضاد
المعادلة في هذا الشأن واضحة، كل شحن مذهبي مسيحي، سيقابله تلقائياً شحن مذهبي إسلامي، بمعزل عن أحقية الاتهامات الموجهة الى هذا الطرف أو ذاك، والضحية في هذه الحالة ستكون القوى التغييرية الناشئة التي ستخوض غمار الانتخابات المقبلة، يحدوها الأمل بكسر هذه التابوهات، وأنّى لها النجاح في ظل هذا السُعار الهوياتي؟.
وثمة عامل آخر يزيد من قتامة المشهد، وهو أن الحملات الإعلامية ذات الطابع المذهبي المكثف، تتلاعب بمشاعر وعواطف أهالي الشهداء والجرحى، وتقدم لهم مضبطة اتهامية بحق أشخاص معينين، محرضة إياهم للحصول على حقهم بأيديهم، مستبقة القرار الاتهامي وحكم المحكمة.
الأمر الذي يعد مؤشراً خطيراً للغاية، فمن ذا الذي يضمن أن لا يقوم أب مفجوع بابنه على سبيل المثال، باستلال سلاحه والقيام بما يلزم بحق من أوحى له الإعلام بمسؤوليته عن الجريمة؟!.
تحكيم العقل والتاريخ
ولنا في فتنة عام 1860 الشهيرة ذكرى وعبرة، فثورة الفلاحين على ظلم الإقطاعيين بقيادة طانيوس شاهين، تحولت نتيجة الشحن المذهبي الى حرب بين الدروز والمسيحيين، نجم عنها مقتل الألوف من الطرفين، وتدمير عشرات القرى.
وقتذاك كان التحريض المذهبي السبب الرئيسي في تقويض تلك الثورة الشعبية المحقة وحرفها نحو فتنة جرفت الحق وأصحابه. واليوم هناك توجس حقيقي من أن نشهد فتنة شبيهة، لا سيما أن الضخ الطائفي على أوجّه.
وحده تحكيم العقل وعدم الانسياق خلف شعبوية القوى السياسية والحملات الإعلامية المسمومة، كفيل أن يحد من اندفاعة الفتن المتنقلة تحت عناوين مختلفة، ولنا في تاريخنا الحديث ألف عبرة وشاهد، ومن لا يتعلم من تاريخه، مكتوب عليه تكراره. ومن لا يزال يعول على القوى السياسية لدعم مسيرة العدالة واحقاق الحق فهو واهم حتماً.
ولا شك أن انفجار 4 آب سيكون الناخب الأبرز في الانتخابات المقبلة، لكن الأساس جعله ناخباً ضد كل من تسبب بهذه الجريمة الكبرى، مشاركة واهمالاً ومداهنةً ومنافقة، عندها فقط ستكون هناك فرصة حقيقية لانصاف الشهداء وعوائلهم.