إعلان نتائج جائزة الدكتورة عزيزة فوال بابتي… و”لبنان عربي” ينشر النصوص الفائزة

لبنان عربي – ثقافة
أعلنت عائلة المرحومة الدكتورة عزيزة فوال بابتي، اطلاق جائزة سنوية باسم الفقيدة، “لأفضل نص شعري أو نثري في اللغة العربية”، مشترطة أن يكون المشترك/ة من طلاب وطالبات ثانوية عدنان الجسر الرسمية المختلطة في طرابلس.
على أن تتولى لجنة تحكيم برئاسة الأستاذة زينب عبود وعضوية الأساتذة: إبتسام إبراهيم، آلاء لبدة، إيمان مصري، عبد الرحيم عبود، وفاء العلي، اختيار النصوص المؤهلة للفوز.
ويتناول موضوع الجائزة هواجس الجيل الصاعد في ظل الأزمة الراهنة.
وحددت العائلة قيمة الجوائز على الشكل التالي:
جائزة المرتبة الأولى: ٥٠٠ ألف ليرة لبنانية.
جائزة المرتبة الثانية: ٣٠٠ ألف ليرة لبنانية.
جائزة المرتبة الثالثة: ٢٠٠ ألف ليرة لبنانية.
وأعلنت لجنة التحكيم أن الفائزين في الدورة الأولى من الجائزة هم:
– الطالب محمد خضر ( مرتبة أولى)
– الطالبة راما هنداوي ( مرتبة ثانية)
– الطالبة آية نور هرموش ( مرتبة ثالثة).
وتشجيعاً للطلاب الفائزين، ينشر “لبنان عربي” بشكل متتال النصوص الفائزة، آملاً ان تشكل هذه الجائزة تحفيزاً للآخرين من أجل الاهتمام بالأدب والثقافة والفكر.
وننشر اليوم النص الفائز بالمرتبة الأولى للطالب محمد خضر وهو تحت عنوان: “راقبني… وأنا أحلّق“.

كان المكان أشبه بساحة معركة، أصوات الصرخات المُصمّة تعلو من كل صوب وحدب، لهيب متطاير، أشلاء وجثث تملأ المكان، إلا أن جثة أثارت اهتمامي حقا، فأردت الإقتراب منها لأعرف هوية صاحبها، وهنا كانت الصدمة إنه أنا.
استيقظت من هذا الكابوس، كنت متعرقا بشدة، وكأني مشيت تحت المطر، يا إلهي كان المشهد مرعبا حقًا، لكن لن أدع شيئاً يزعجني، فقد كنت أنتظر هذا اليوم منذ نعومة أظفاري.
ذهبت بعد الظهر إلى المقهى الذي اعتدت الجلوس فيه، وطلبت طلبي المعتاد من النادلة المعهودة، كان اسمها ألين، ممشوقة القوام، ذات عيون زرقاء مثل لون السماء، شعرها بني قصير، تتمتع ببشرة بيضاء جميلة كالثلج… كنت معجبًا بها بشدة، وها أنا مجددا أضيع في طيات معالم وجهها الجميل بينما تقدم لي طلبي، كنت هائما بتلك الفتاة، لكن طبعي الخجول الغبي، منعني من إخبارها بمشاعري أو حتى من التحدث اليها، ولكن اليوم كان مختلفا عما سبق، فتغزلت بها… ربما كانت أغبى كلمة غزل سمعتها في حياتها، لكن كان لها تأثيرها الكبير على الفتاة التي احمرت وجنتاها خجلا، و اندفعت مبتعدة إلى الداخل… هل قلت شيئا خاطئاً يا ترى؟! هذا ما كنت أفكر فيه في الدقائق الثلاثين المقبلة.
مرت علي الظهيرة كأنها ألف يوم، كنت متوتراً جداً، لدرجة أنني شعرت بقلبي يكاد يقفز من بين أضلعي، فقد تبقت خمس وأربعون دقيقة على صدور نتائج القبول في كلية العلوم السياسية وكنت أنتظر هذا اليوم الذي سألتحق به في هذه الكلية منذ صغري، فكانت السنوات الثلاث المنصرمة ميدان جد وعمل دؤوب تعبت فيها كل التعب في تحصيلي العلمي واجتهدت كثيراً لأصل إلى هنا رغم كل المعوقات… فمنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في بلدي و الوضع غير مستقر بتاتاً، في البداية كان الوضع مرعباً للغاية؛ وفيات بالمئات، ودمار أصاب معظم المدن.
كانت دراستي في هذه الفترة متقطعة، فكنت أذهب إلى المدرسة يوماً و اضطر إلى الغياب عشرة أيام بسبب الاشتباكات التي كانت تحصل في منطقة قريبة من منزلي، مضت سنة على هذه الحال، أما السنة التي تلتها، فقد تحسن الوضع قليلاً بحيث أصبحت قادراً على استئناف دراستي، ونجحت بتفوق رغم كل العقبات التي مررت بها، ولعل الإنترنت كان وسيلتي للحصول على التفوق، إذ كان بحرَ معلومات لا ينفد.
كنت قد ورثت حبي للمجال السياسي من والدي-رحمه الله- الذي كان محامياً، ومتابعاً للأوضاع السياسية عن كثب، حتى أنه قد ترشح مرة إلى مجلس النواب، إلا أنه لم يلق الدعم المناسب الذي يمكنه من الحصول على المقعد، ذلك أنه لم يملك واسطة في بلد المحسوبيات… إلى جانب اجتهادي في الدراسة، كنت مهووسا أيضا بمطالعة الكتب السياسية، لأنني أخذت على عاتقي تحقيق حلم المرحوم أبي الذي لم يوفق لتحقيقه، بأن أصبح سياسياً بارزاً وأحصل على مقعد في مجلس النواب لمساعدة أبناء بلدي.
انطلقت لأحصل على نتائج القبول، كنت خائفاً حقاً من فكرة عدم قبولي في الكلية، فلم أحدد خطة بديلة في حال لم أوفق لذلك.
أخيراً وصلت، كانت ورقة النتائج معلقة في آخر الرواق، يفصلني عنها حشد كبير من الطلاب، تقدمت أشق طريقي وسط هذا الحشد بصعوبة بالغة، يحدوني الشوق والأمل، إلى أن وصلت، بعدما أخذت نصيبي الوافر من التدافع والدوس على قدمي… لكن لم يبدد مشقتي إلا رؤية النتائج، يا لها من مفاجأة سارة عقد لها لساني، وكاد لها قلبي أن يقفز من مكانه!..
أخيراً بعد جهد مضنٍ، تم قبولي في الكلية، كم سيكون والدي فخوراً بي في قبره!… تذكرت عهداً أخذته على نفسي في حال قبولي في الكلية، هو أنني سأعترف لألين بحبي… وفعلاً قررت الذهاب اليها فقد كنت منتشياً بشدة، واعتقدت أن شجاعتي لن تخونني هذه المرة.
كنت في طريقي إلى المقهى الذي كانت تعمل فيه محبوبتي، ملايين الأفكار تزدحم وتضجّ في رأسي… تخيلت نفسي سياسياً مرموقاً، ولدي عائلة جميلة، نمضي الصيف في منزل في الريف… كنت قد تهت في أحلام اليقظة، إلى أن اقتربت من الشارع الذي يقع فيه المقهى، لكن مع وصولي إليه شد انتباهي على بعد عشرين متر منه سيارة سوداء، يلتف حولها رجال الشرطة، يحاولون إبعاد الناس عنها… عندها علمت بوجود خطر ما فاستدرت لأركض ولكن… دوى انفجار رهيب هز المكان مزعزعاً أركانه، ثم علت الصرخات من كل جانب، للحظات أصبحت أعمى لا أقدر أن أرى شيئا، ثم استعدت بصري تدريجياً، لكن بعين واحدة هذه المرة، لأرى مشهداً تقشعر له الأبدان، الدماء تغسل الأرض وألسنة اللهب تتصاعد مع أعمدة الدخان من المكان الذي كانت تقف فيه السيارة السوداء التي اختفت مخلفة وراءها حفرة كبيرة… أمامي طفل لم يتجاوز الرابعة يبكي… حاولت الحراك لمساعدته لكن من دون جدوى، وما هي إلا لحظات حتى هدأ بكاؤه، وتحول إلى جثة هامدة!.
شعرت بأني أحتضر، كانت يدي اليمنى قد انفصلت عن جسدي بشكل كامل، وكنت ألتقط أنفاسي بصعوبة بالغة، أيقنت أنه لو قدرت لي النجاة سأعيش بعين واحدة، ويد واحدة أيضاً، هذا إن لم أكن مشلولاً بالكامل…
صور كثيرة تلف في رأسي كشريط سينمائي… صورة جدتي الحنون وهي تتلقى خبر وفاة آخر فرد متبقٍ من عائلتها، بعد أن فجعت بوالدي قبلي… يا للمسكينة أتراها ستتحمل هذا الخبر أم أن وقعه عليها سيكون بمثابة صاعقة تدمر ما تبقى منها؟!
هل كانت أحلامي صعبة المنال، بعيدة التحقق، حتى ينتهي بي المطاف على هذا النحو؟!
كل ما أردته هو أن أدرس في الكلية التي أحب، أن أتخرج بتفوق، أن أكون مع الفتاة التي أريد، أن أنشئ عائلة سعيدة، وأن أنهي الفساد في بلدي… هل كانت رغبتي في حياة طبيعية أمراً مستحيلاً؟!
يبدو أنه كان كذلك… حتى القدر وقف مع العالم ضدي وضد شعبي… ارتسمت على وجهي ابتسامة سخرية… وأخذت عيني تنطفئ شيئاً فشيئاً حتى بات كل شيء أسود قاتماً، ثم بعدها كنت فوق الغيوم … أمامي السماء الزرقاء الواسعة… وكنت أحلّق…