الشخصية ببساطتها وتعقيداتها عند سليم الرافعي*

لبنان عربي – نبيل عرابي
حين تخطو نحو أدب سليم الرافعي، لا بدّ لك من الأخذ بأسباب الحيطة والحذر. فكلما اعتقدتَ أنكَ قد قرأتَ خارطة المسير جيداً وضبطت بوصلتك على هذا الأساس، اكتشفت نفسك في خط سير جديد، تخال أنك لم تلحظه من قبل في تفاصيل الخارطة، فتحاول قراءة خطوطها المتعرجة مرة أخرى.. ويفترّ ثغرك عن ابتسامة، ظناً منك أنك تمكّنت من الأمر مجدداً، وسيطرتَ على الموقف، لكنك سرعان ما تعود وتكتشف أن أرقام الحساب التي أدْرجتها في عقلك، لا تمتّ بصِلة إلى أيّ سياق منطقي أو رياضي حتى. وأن المعادلات التي تتعامل وِفقها مع أكثر تفاصيل حياتك اليومية، لا تجدي نفعاً حين تستعين بها، أو تسترشد بها كمنارة خبرة عبر السنين التي مضت.
فكيف بك وأنتَ تحاول فهم – قدر المستطاع – تعريفاته على أكثر من صعيد، حول “الشخصية” ببساطتها وتعقيداتها، بتفرّدها وشموليتها، عبر وقفات سريعة في محطات تضمنها عدد من كتبه التي احتضنت نتاجه الأدبي الغزير.
فمن منطلق السلوك اليومي للمرء فإن “الشخصية قيمة إبداعية جاءت إثر عميلة جبارة. فهي مستمدّة من نظرة العين ولمسة اليد وخفقة القلب ووقع الأقدام وارتفاع الأجسام أو انخفاضها”. (1)
وبعبارة أخرى:
إذا أردنا تحديد الشخصية قلنا:
“إنها تصرفات صادرة، أو تصرفات يُنتظر صدورها”. (2)
وهي دائماً معرّضة لما يعتري المرء من مشاعر وأحاسيس متناقضة ومتداخلة كونها:
“مهددة بالخوف لأنه يهزمها، مهددة بالحرمان لأنه يفتتها”. (3)
وبلفتة سريعة، تصبح الدائرة أرحب اتساعاً، لتضمّ إلى مساحتها عناصر من الطبيعة استكمالاً لمهمّتها:
” لقد اختفت إرادة الطبيعة في أغوار الشخصية الإنسانية واتّضح فنّها من المهزلة والمأساة”. (4)
وانطلاقاً من التطوّر الذي ترنو إليه، لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعدّاه إلى اعتبارها بأنها:
“انتصار دائم مستمد من ضوء الشمس أي من اليقظة”.(5)
وهي في حالة بحث دائم عن هذا التطوّر بصفتها:
“نابعة من حضور الشعوب لا من عباقرة الماضي”. (6)
أضف إلى ذلك سعيها المتواصل كي:
“تنشد الإنتصار بالعلم. فهو المفتاح الحقيقي لهذا الفلك المتراكم”. (7)
وحتى الفلسفة كان لها نصيب في عمقها التاريخي فقد:
“أحرز (سقراط) موقعاً في الأخلاق تحقّق به النموذج الإنساني، فلمس العالم وضاءة تخطف الأبصار وعندما ظهرت الشخصية الإنسانية في ذلك العصر استطاعت أن تكتسح بالديمقراطية عصور الظلام”.(8)
ولم تغب الناحية الدينية عن سياق التعريفات، فبدت واضحة جلية:
“حين ظهر أنبياء الشرق فسّروا المادة لشعوبهم وفسّروا ما وراء المادة. وقد أدرك العالم بعد ذلك أن للأنبياء كتباً انصهرت فيها الشخصية اللغوية، فتحددت الشخصية الدينية تبعاً لذلك.. فالتفسير كلمة. والكلمة لغة. واللغة أمة. والأمة.” (9)
ومع وصول الدائرة إلى أقصى ما أمكن من طرفي قطرها، كان لا بدّ من الإشارة إلى ناحية، لا يمكن التغاضي عنها، تأكيداً على أهمية الدور المحوري الذي يدور حوله إثبات الحضور على الصعيد الكمي والعددي:
“وهنا لا بدّ من عودة إلى مراجعة الشخصية والحجمية حين تعرض لوضعنا مع اليهود. يكسب اليهود عالم الغرب وهم قلّة ويؤكدون وجودهم وشخصيتهم بيننا وهم قلة. أما نحن من جانبنا فاننا نفقد جزءاً من بلادن ونحن كثرة، ونعجز عن لفت نظر العالم إلى حقنا ونحن كثرة. فما معنى هذا؟ معناه أن الشخصية هي التي تملأ العالم لا الحجمية”.(10)
* أديب وشاعر من طرابلس/ لبنان، وافته المَنيّة منذ أسابيع قليلة، تاركاً إرثاً أدبياً غنياً، عدداً كبيراَ من الكتب والدواوين، وقد نشر أكثر نتاجه في مجلة (الهلال) المصرية وصحيفة (الإنشاء) اللبنانية التي كانت تصدر من طرابلس.
1 – 2 – 3 – 4 – البركان آمن، إصدار خاص، طرابلس- لبنان، 2016.
5 – 6 – من قمة جبل، إصدار خاص، طرابلس- لبنان، 2015.
7 – البرق يلمع، إصدار خاص، طرابلس- لبنان، 2001.
8 – محاورات، إصدار خاص، طرابلس – لبنان، 2012.
9 – 10 – في غربة شمس، إصدار خاص، طرابلس – لبنان، 2003.