اليُتم الثقافي

لبنان عربي – هدى بياسي
في ظلّ الحروب العربية المتكررة، والأزمات السياسية والإقتصادية، ومشاكل الصحّة والبيئة، الناتجة عنها، يتساءل الجميع عن الإحباط الذي أصاب الناس وعن ضعف دور المؤسسات الثقافية في بثّ الوعي لديهم.
إنّ الغياب التام للبرامج الثقافية ليس غياباً قسريًا كما يعتقد البعض، بل هو غياب مدروس هدفه إقصاء العقل عن التفكير، لأن ثورة البطون أسهل من ثورة العقول.
في الحقيقة نحن لسنا فقط في أزمة ثقافة، بل نحن في أزمة سياسة، أزمة مسؤولية، أزمة وعي لدى المسؤولين الذين شغلوا الناس بهمومهم المعيشية، فعملوا على إضعاف دور المؤسسات الثقافية وانعدام دورها الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حصيلة ضحايا الجهل وتفشّيها في المجتمع.
والجهل هنا هو نقيض الثقافة وليس العلم، فكم من حملة شهادات اقتصرت شهادتهم على التحصيل الدراسي فقط لأن المؤسسات الرسمية لا تعنى بتثقيف الشباب أو برفع مستوى إدراكهم. فصارت الثقافة في عصرنا مرتبطة بحشرية المعرفة لا أكثر.
يقول الدكتور أحمد سعد في مقالة له بعنوان “التنمية الثقافية العربية بين الاجتهادات الفردية ودور المؤسسات”: «إن العمل الثقافيّ العربيّ في معظم البلدان العربية لا تحكمه أيّ استراتيجية، ولا يمتلك أي آليات لصناعة الثقافة، فهو رهين للعشوائية بسبب تخلّف المؤسسات الرسمية عن القيام بدورها، المنوط بها في هذا الصدد، ما جعل العمل الثقافي في الغالب مقصوراً على المبادرات الفردية التي تتسم بالجزئية وقلة الحيلة، ولا يمكن أن تعوض عمل المؤسسات الرسمية”.
فما هي معوّقات العمل الثقافي؟
هناك عدة معوقات للعمل الثقافي في الدول العربية ، أولها الاستبداد السياسي الذي يرى خرابه في إصلاح عقول الناس، فهو يخشى التغيير الاجتماعي الذي يرتبط بالوعي والقدرة على إدراك الحقائق مهما كانت بسيطة أو معقدة. هؤلاء الناس إن استفاقوا سيصيرون كالسيل الجارف لا يقف في طريق تقدمهم سدّ.
وثانيها السجال الايديولوجي المنمّط الذي يريد من أتباعه أن يكونوا دمى مستنسخة تتبنّى نظرة مؤطّرة للحياة والتاريخ، فلا يسمعون إلا صوتهم وصداه. وثالثها العولمة التي حوّلت الثقافة إلى سلعة رخيصة مباحة.
والجدير بالذكر أنّ العرب يختلفون في كلّ شيء إلا في تخلّفهم وممارستهم لأنظمتهم القمعية، الأمر الذي يجعل المثقف العربي- على ندرته – في حالة انكماش وضياع بين وجوده واثبات هذا الوجود، بين هويته وضياعها وبين الحضارة التي يعتزّ بالانتماء اليها فإذا هي حلم مندثر دمرته المصالح العالمية.
إنه مثقف يتيم على الرغم من نسبه العريق، مثقف عاجز عن صنع حاضر فكيف له أن يصنع مستقبلا ؟