“فلسطينُ وَوَعْدُ الآخِرة” لِسعيد قاسم: عروج يقيني نحو الانتصار

مروان الخطيب

كأنَّكَ بورخيسُ يقرأُ في “ألف ليلة وليلة”، فتتناهى الحروفُ في رُوعِهِ مدىً يُشرفُ على اللَّامُتناهي، جَوَّاباً الحياةَ وَفْقَ فلسفةٍ تقودُ إلى رؤيا عميقةٍ للحياةِ، ورؤيا سابعةٍ تستغرقُ في القُدسِ بوابةً تكتنِهُ مُغْلَقَ السَّماءِ، ثُمَّ تسمو عاليةً في مَعارجِ الحُلُمِ-الحقيقةِ، لِتَسْتَقِرَّ في خِتامِ الضَّوءِ يقيناً لا يَمَّحي بأنَّ ما كانَ من السَّماءِ لا يُمكِنُ أنْ يختَزَلَهُ حَرقاً أو حَذفاً عُتاةُ الأرضِ، أو زُناةُ البِطاحِ الوَهيدةِ، ولا أولئكَ الآتينَ من سُلالةِ ميكيافيلي أو من جِيناتِ دونالد ترامب…!.
هُوَذا شُعُورُكَ وإحساسُكَ وأنتَ تقرأُ أيَّ سِفْرٍ يأتي على ذاكِرتِكَ بالأَلقِ والوَهجِ، وبذيَّاكَ العَصيرِ المُتَدّرِّجِ من رُحاقِ الكَلِمِ نَشْواناً بأزاهيرِ الخُلْدِ، وبنجاوى الاشتياقِ العابِّ من أمواهِ الماوراءِ مُنَدَّىً بحنينٍ لا ينتهي لجوهرِ الحرفِ السَّامي والمُعَلَّقِ في أبجديَّةِ الانتماءِ لحقيقةِ الكونِ والإنسانِ والحياة…!.
وعندما تتناهى بكَ عيناكَ وقَلبُكَ ورُوعُكَ إلى كِتابِ(فلسطينُ وَوَعْدُ الآخرة) لفضيلةِ الشَّيخ سعيد قاسم، تسرحُ مُمْتَشِقاً المِسافةَ العُلويَّةَ ما بينَ عَلما الجَرمقيَّةِ في فلسطينَ، ومدينةِ الشَّمسِ البِقاعيَّةِ في لُبنانَ، على هيئةِ الرُّؤيا الحادَّةِ الأبعاد لكونِها أصيلةً وحَتميَّةً في كلامِها على الفجرِ الآتي انتصاراً للحقِّ وأهليهِ، وهَزيمةً سَحيقةً للباطلِ وأنصارِهِ ومُبْتَدِعيه، ولكونِها أيضاً تُحَلِّقُ في مراقي آتٍ ومُزْدَهِرٍ كالياقوتِ المُبْتَسمِ في خِنْصَرِ وَليٍّ من أولياءِ الله الصَّالحينَ، ذاكَ المُسْتَبْشِرِ بِرِضوانِ الخالقِ الرَّحمنِ الرَّحيم، وبِغُفْرانِهِ النَّسيمِ الكريم…!.
في دوحِ أخينا فضيلةِ الشَّيخ سعيد قاسم، تُشْرِقُ أمامَ نَبْضِكَ أربعةُ حِزَمٍ من ضوءٍ وفجرٍ، وإنْ انتابَكَ هُجاسٌ ما، لِفكرةٍ ما، لَرُبَّما تُخالفُ قراءَتَكَ في تَدَبُّرِكَ السِّياسيِّ لِحَدثٍ هُنا أو هُناكَ، فإنَّ أُفُقَ الحَتميِّ الآتي شُروقاً أبيَّاً وَغَلَباً سَخِيَّاً، يحملُكَ إلى مَدارجِ الأنوارِ السَّاطعةِ من قُدسِ الأنبياءِ والإسراءِ، عُروجاً إلى فلسطينَ المُخَلَّصةِ من دنسِ الأنجاس، ومن وهْمِ وجَوْرِ يهود وَمَنْ خَلفَهم من قوى الاستعمارِ والاستكبار…!.
ثَمَّةَ بُعْدٌ شَرعيٌّ، وثانٍ فِكريٌّ، وثالثٌ تاريخيٌّ ورابعٌ سياسيٌّ تَدبُّريٌّ، تستحوذُ على تفاصيلِكَ الواعيةِ والنَّابضةِ وأنتَ تَجُولُ في رؤى أخينا المُؤلِّفِ، مُسْتَحْضِراً كُلَّ ما كانَ في فلسطين، وكُلَّ ما سيكونُ، ومُسْتَرجِعاً طَبْعَ يهود والصَّفحاتِ السُّودِ لأيامِهم البَغِيَّةِ في تعاطيهم مع الأرضِ وأهليها، وفي دناءتِهم الغَويَّةِ مع خالقِ الأكوانِ سبحانَهُ في عليائه عمَّا يَصِفون…!.
هُناكَ استشهادٌ بليغٌ بآياتِ الذكرِ الحكيم، وأحاديثِ الرَّسولِ المصطفى الأمين عليه أفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسليم، ما يجعلُكَ تعيشُ الأثرَ الشَّرعيَّ في مَبْحثِ شيخنا الفاضل جُهْداً عميقاً في استنطاقِ النُّصوصِ المُقدَّسةِ والتَّشريعيَّة، كما أنَّ باحثَنا يُنْزِلُ الأحكامَ على وقائِعِها، مَثْبِتاً بأنَّ الفِكرَ هو الحُكمُ على واقع، وفي هذا يُبدعُ صاحِبُنا في تَجَلِّياتِهِ القارئةِ كَثيراً من المَنظوماتِ المُرتويةِ من أمواهِ يهود والصُّهيونيَّةِ والتَّلمودِ كالحركةِ الماسونيَّةِ وجماعةِ شهود يهوه، وما سعى إليه مارتن لوثر، وانفصالُهُ عن الكنيسةِ الكاثوليكيَّةِ التي لا تتلاقى مع يهود ومزاعمِهم، إلى ابتداعِ النهج البروتستانتيِّ المُتعاطف والمُتظافرِ مع التَّوجهاتِ والمُنْطَلقاتِ الصُّهيونيَّةِ، ما وّلَّدَ في أجواءِ أمريكا والغَربِ ما يُعرفُ بالمسيحييِّن المُتَهَوِّدينَ فِكراً وأداء.
وَيَبْرَعُ شيخُنا في العَودةِ إلى التَّاريخ الذي هو”سِجِلٌّ لأحداثٍ سياسيَّة”، فنرى في عودتِهِ إليه ما يرفِدُنا بإفسادِ يهود في الأرض، وبنشرِهم معالمَ الرَّذيلةِ والشَّرِ فيها، وسفكِ الدِّماءِ البريئةِ بغيرِ وجهِ حقٍّ مُعْتَبَر، وسوى ذلكَ من الأعمالِ التى تنبعُ من ثقافتِهم التُّلموديَّةِ الواطئةِ والوضيعة، والتي أضرَّتْ كثيراً بمسيرةِ الإنسانِ الحضاريَّةِ على وجه الكُرةِ الأرضيَّة!.
ومن زاويةِ البُعْدِ السياسيِّ الذي يُشكِّلُ العامودَ الرَّابعَ في سِفْرِ شيخنا، نُطلُّ على قراءاتٍ عميقةٍ لأداءاتٍ سياسيَّةٍ هابطةٍ ووضيعةٍ، ولرُبما هي خائنةٌ بكُلِّ ما تحملُ هذه الكلمةُ من معنى، تلكَ الأداءاتِ التي مارسها ومازالَ العديدُ من حُكَّامِ العرب. ولعلَّ الشَّواهدَ التي أوردَها المؤلفُ في سياقِ مُراسلاتِ الملك السُّعودي الرّاَحل فيصل بنِ عبد العزيز مع الرئيس الأمريكي ليندون جُونسون، ومع الملك الأردنيِّ حُسينِ بنِ طلال، ما يُساعدُ على كشفِ المخبوءِ من ممارساتٍ خائنةٍ ومُضرَّةٍ بالأمَّةِ وقضاياها، وعلى رأسها قضية فلسطين. وللأمانةِ البحثيَّةِ الموضوعيَّة في سياقِ التَّدبُّرِ السِّياسيِّ، أقولُ بأنَّ ثمَّةَ قراءةً هُنا أو هُناكَ أتى عليها شيخُنا الكريم، وقدْ تجدُ مَنْ يُخالفُها وَفْقَ منطقِ التحليلِ المُستَنْدِ إلى تَضلُّعٍ في معرفةِ الخارطةِ الأيديولوجيَّةِ والسِّياسيَّةِ للقوى الفاعلةِ في الموقفِ الدوليِّ، كما هو حالُ الرئيسِ الروسيِّ فلاديمير بوتين في الأَزَمةِ السُّوريَّة، هل هو معاندٌ أمْ مُكَمَّلٌ لسياسةِ الولاياتِ المُتَّحدة الأمريكيَّةِ هُناك…؟!.
وفي الختامِ، لا بُدَّ من أنْ نقولَها بالفمِ الملآن: “فلسطينُ ووَعدُ الآخرة”، سِفْرٌ من ألقٍ وجُمانٍ وأرجوان، ولا بُدَّ أن يأتيَ ذاكَ اليومُ قريباً، حيثُ نشهدُ الانتصارَ الحتميَّ لفلسطينَ، على المشروعِ الصُّهيونيِّ، وَمِنْ خلفِهِ، المشروعِ الاستعماريِّ الغربيِّ الذي أسَّسَ لوجودِ يهود في فلسطين فِكريَّاً وسياسيَّاً ومادِّياً…!.