رأيعربي دولي

أردوغان واللعب على “حافة الهاوية”

لبنان عربي –  طارق المبيض

تبدو السياسة التركية في عهد “العدالة والتنمية” عصية على الفهم. المراقبون يحارون في التموضعات المفاجئة للرئيس اردوغان على صعيد السياسة الخارجية. يبدو أن الرجل يسير ضمن سياسة “على حافة الهاوية” بدل استراتيجية “صفر مشاكل” التي ابتدعها وزير خارجيته الأسبق أحمد داوود اوغلو بداية الألفية الجديدة، والتي تركز على تركيا اقتصادية تحاول تصفير المشاكل مع جيرانها بهدف التقدم الاقتصادي الذي وحده –بنظر اوغلو- يعطي تركيا دورها الطبيعي في المنطقة.

لكنّ مسيرة أردوغان تختلف شيئاً ما. فيه نزقُ الزعامة. بسهولة يستطيع تجييش الرأي العام التركي والعربي. يريد أن يعيد لتركيا دورها التاريخي الذي لم ينقضِ بعد مئة عام على انتهائه في المنطقة وبالتحديد من الشام والعراق ومصر وبعض الدول الأوروبية.

لنفهم السياسة التركية، يجب علينا أن نقرأ أردوغان نفسه. هو ابنُ المدرسة الأتاتوركية في ادارة شؤون البلاد في سياق التحديث والاستفادة من النهضة والتطور الغربي، ناهيك طبعاً عن النمط الاقتصادي الليبرالي، والانفتاح التجاري على معظم دول العالم، بالاضافة الى التمسك بالطبيعة القومية للدولة التركية، بمعنى عدم السماح للأقليات الاثنية كالأكراد باقامة كيانات سياسية داخل الجمهورية التركية، او على تخومها، او أن يهددوا الأمن القومي التركي. هذا اضافة الى تطبيق معايير كوبنهاغن الضرورية لانضمام اي دولة الى الاتحاد الاوروبي، وهذه المعايير التي ساهمت بتطور الدولة التركية والحد من الفساد، دون أن تؤدي في النهاية الى انضمام انقرة الى النادي الاوروبي.

أردوغان كذلك، هو ابن المدرسة الاسلامية التركية، التي طورت نفسها على مدى العقود السابقة، بعد الاقصاء الذي تعرضت له على يد المؤسسة العسكرية التركية التي كانت تنقلب على كل نتيجة انتخابية ايجابية تحققها تلك الأحزاب بحجة “تهديد تركيا العلمانية”. ولكن اردوغان، وقد استفاد من التجارب السابقة، سخّر معايير كوبنهاغن المطلوبة لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي والتي تنص في جزء منها على ضرورة “ضمان استقرار المؤسسات والحفاظ على الديمقراطية وضمان دولة القانون وحقوق الانسان”، سخرها لاقصاء العسكريين عن مجلس الأمن القومي التركي بحيث اصبح هذا المجلس مع الوقت مدنياً بعد أن كان عسكرياً.

انطلاقا من هذه الخلفيات يمكن رسم صورة أولية عن خلفيات تحرك اردوغان في المنطقة، مع حرصه الأكيد على الحصول على مناطق نفوذ جديدة، وأن لا يخرج خالي الوفاض من الثروة النفطية والغاز في المنطقة.

ولا شك أيضا ان تحركات أردوغان تنبع بشكل اساس من ايمانه بدور تركيا الاستراتيجي والتاريخي في محيطها، وهي صاحبة أربعة قرون من الوجود المستمر في معظم المشرق العربي، وقد بنت خلال تلك الفترة تأثيراً ثقافياً في عدد من الحاضرات العربية، وهي تحاول أكثر في هذا السياق، بالاضافة الى الانتماء المذهبي الواحد الذي يجمعها مع السواد الأعظم من ابناء المنطقة (المذهب السني).

اذاً، تعود تركيا للعب دورها الطبيعي نسبة لقدراتها في المنطقة، في ظل فراغ عربي كبير، خلقه انكفاء العرب عن حل مشاكلهم، وعجز (وربما عدم رغبة) مجلس جامعة الدول العربية ومن خلفه دول الخليج الغنية وبالتحديد السعودية عن التقدم للعب دور ما في هذا الفراغ العربي، وكذلك في ظل انكفاءة تاريخية للبلد العربي الأكبر مصر، الذي يعاني تخبطات سياسية مهولة منذ 2013 تاريخ انقلاب العسكر على الانتخابات الديمقراطية التي اوصلت جماعة الاخوان المسلمين الى السلطة.

وقبل ان يسدل الستار عن المشهد الأخير في سوريا وبالتحديد شمالها، ومهما كانت نتائج الحوار الروسي التركي لاحتواء الاحتكاك المباشر بين الطرفين في ادلب مؤخراً، فان تركيا ستستمر في الحفاظ على مصالحها، وتحاول ان تكون الطرف الأقوى والأكثر تأثيراً في المنطقة. وربما نكون مع تركيا اقوى في البلدان العربية بعد سنين قليلة! فبعد انكفاءة مصر، ودول الخليج، ها هي ايران تعاني اقتصادياً وعسكرياً على اكثر من محور. فهل تبدل تركيا المعادلات عما قريب؟!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى