تحديات “الثورة اللبنانية”

عمر خضر

يسألونك عن الثورة والتضحية، قل فيهما ضرر بسيط ومنافع للناس، ونفعهما أكبر من ضررهما.
انطلاقاً من هذه القاعدة الثورية، وإن أردنا تطبيقها وإسقاطها على ثورة لبنان التي بزغت في السابع عشر من شهر تشرين الأول عام 2019، ولا زالت حتى حينه تقارع سلطة متفرّعة إلى سلطات، نجد أن الثورة اللبنانية ألحقت أضرارا جمّة بالسلطة السياسية والاحزاب التي خلفها، ونجد أن تضحيات الثوار لم تسجل درجات ثورية عالية على مقياس الثورات التاريخية والحديثة، وأنه رغم ذلك أصاب الضرر الطبقة السياسية في بنيتها وأظهر للعلن هشاشة مواقفها ونفاق خطابها، ومدى تمسكها بالحكم كأداة للنهب والسرقة والتنفيعات.
والمتتبع لمسار الثورة يرى انها تصارع نفسها جاهدة، فمن جهة يرغب قلبها بالإجهاز السريع على السلطة مستخدماً كافة الوسائل المشروعة ثورياً، ومن جهة أخرى فإنّ عقلها يرى ضرورة احترام الدستور اللبناني ومؤسساته وآلياته، عقلٌ لا يرغب إطلاقاً باستلام السلطة بالقوّة، ولا يرى سبيلاً سوى باتباع السلمية والأطر الدستورية في الضغط الشعبي للوصول إلى التغيير المنشود وتحقيق المطالب.
وبين قلب الثورة وعقلها، ضاع التغيير وضاعت المطالب، ولم يعد للثورة والتضحية بُدّ أو معنى.
لذا فان ثورة لبنان تعاني العديد من التحدّيات كسائر أخواتها في الوطن العربي والعالم، إلا أنّها تختلف نوعاً ما عن مثيلاتها، فلا ثوّارُها من لون واحد ولا سلطتها من بطن واحدة، ممّا يجعلها ثورة معقّدة وصعبة في الوسائل والآليات والتكتيك؛ ومن أبرز هذه التحدّيات:
- عدم تشكيل وتهيئة البديل عن السلطة، واكتفاء الثوار بمطالبة السلطة بالتغيير دون تقديم برامج ومشاريع وخطط بديلة في الحكم إلا ما ندر.
- عدم التضحية بالنفس والمال في سبيل إنجاح الثورة، واتكال كلّ مجموعة ثورية على مجموعة أخرى في قدح الأفكار وتنفيذ الأنشطة الثورية.
- عدم اجتماع الثوار على كلمة سواء، واختلافهم في العديد من المواقف وتشرذمهم في أغلب الاستحقاقات.
- اليأس والاستسلام الذي ضرب الثوار نتيجة ندرة الانجازات العملاتية التي حقّقتها الثورة خلال 4 أشهر.
- خوف الثوار من تكرار تجربة الحرب الأهلية التي نشبت في لبنان عام 1975، وعجزهم في غالب الأحيان على تحقيق المكاسب الثورية.
- وجود سلطة مستشرسة للدفاع عن وجودها في الحكم، عبر وسائل ذكية تؤدي إلى ضرب الثورة من داخلها.
- عدم وجود رأس للسلطة، وتأييد كلّ أحزاب السلطة لمطالب الثورة، ودفع مخبريها ومندسّيها لخرق وتحوير الثورة من داخلها.
- تطييف وتدويل الثورة، وإظهارها من قبل السلطة بمظهر العدو لفئة دون أخرى من أحزابها.
كلّ هذه التحدّيات وغيرها الكثير، أدّت إلى توقّف نبضات قلب الثورة، وها هي اليوم أٌدخلت العناية المركّزة، علّها تحظى بأطباء جدد ينجحون في عملية الإحياء القلبي الرئوي، ويتمكّنون من رأب الصدع بين قلب الثورة العييّ وعقلها الجامد، ويخرجون بوصفة مليئة بالحكمة والدهاء تجمع بين السلمية والشغب المنظّم، وبين تحقيق الانجازات المرحلية من مطالب حياتية وإقالة فاسدين وتحقيق الانجازات بعيدة المدى من تغيير نظام وسلطة حاكمة واسترداد للأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين.
فهل أخذ الثوار بعين الاعتبار هذه التحديات وعملوا على تجاوزها؟ وهل من رجال حكماء يرفدون الثورة بتجاربهم وخبراتهم؟ أم انها ستبقى أثيرة العناية المشددة تكافح الموت السريري؟