رأي

تشابك ساحات الاعتراض في الحراك اللبناني…

لبنان عربي- خالد العزي*

لقد استطاعت الانتفاضة اللبنانية على مدى ستة أشهر ونصف من ابراز حالة جديدة في لبنان لم يعرفها الشعب اللبناني، حيث باتت الساحات مرتبطة بعضها ببعض، ما جعلها تشكل  حالة ازعاج للسلطة في التصدي لها، نظرا  لسيطرة روح الفزعة للساحات ووقوف الثوار وقفات تضامن في ما بينهم، مما ساعد بارتفاع مزاج الثوار، وهذا شهدناه في العديد من الساحات كساحة( الشهداء والنبطية وصور وبعلبك والهرمل وغزير وجل الديب وطرابلس وعكار) ما جسد مشهدية جديدة في العلاقات بين المناطق التي رفضت الانصياع لهذه السلطة الفاسدة .

فعندما تم احراق الخيم في ساحة العلم في صور كانت دموع الثوار الذين تحدوا الخوف تذرف فرحاً بعد سماع صوت الهتافات التي  بات ثوار طرابلس يصرخون بها تأييداً لثوار الساحات في الجنوب وتحديدا في صور (كرمالك يا صور بدنا نثور).

اعتراض طرابلس والشمال كما حال اعتراضات الجنوب والبقاع، لقد دفعت طرابلس ثمنا كبيرا في محاولة لتركيعها، فكان الجوع والفقر والحرب الطائفية التي استمرت لمدة ثلاثة اعوام متتالية في افقار احيائها، ولقد زُج بأولادها في السجون دون محاكمات عادلة  تحت حجج وهمية غير مرتبطة بالعدالة التي هي مطلب الجميع، بات الدم هو الذي يحكم العلاقات بين فقراء طرابلس والشمال، مما دفع بالعديد من الشباب الى الانحياز نحو التطرف دون المعالجة الجدية لظهور هذه الامراض لان السلطة كانت راضية بما يحكم على طرابلس والشمال .

فجأة تغير كل شيء في الشمال ، وحدثت اجمل مصالحة شعبية، ورفعت الشعارات ضد الفاسدين وحكم الزعران، و تبلورت هذه المصالحة الشعبية بين كافة الشرائح في ساحة الثورة، ساحة الله، ساحة عبد الحميد كرامي، رافضة الزعامات التقليدية ورافعة الكارت الاحمر بوجه رئاسة الحكومة السنية حيث باتت طرابلس خط الدفاع الاول عن الانتفاضة.

طرابلس عروس الثورة..

بالرغم من ان طرابلس تحتوي على كتلة نيابية طرابلسية تنتمي الى كتلة معينة ويوجد فيها اكثر من مليونير بقيت تعاني من الفقر والحرمان، وبحالة يرثى لها بعيدة عن لبنان فكانت تحمل اسم المنطقة المحرومة بكل ما للكلمة من معنى .

وحتى حديث الزعيم وليد جنبلاط الذي اطلقه من بيت الوسط آنذاك :” بان لطرابلس والشمال حق اساسي بالتنمية وعندها مطار ومرفأ ومعرض ومنطقة اقتصادية “، كان كلاما يراد فيه حق لكن لم يأت في وقته بل جاء متأخرا جدا وخاصة بان الزعيم جنبلاط شارك في الحكم من 1992 حتى اليوم، فهذه ليست منة لأهل طرابلس بل حق رسمي ويجب الانطلاق من ذلك تحت عنوان التنمية المستدامة .

فطرابلس كانت ترتبط بالساحات الاخرى وتناديها وخرجت من ثوبها الطائفي ووقفت بوجه الزعماء التقليدين واسقطت شرعيتهم وكانت تدعم كل الساحات في ايام الصعاب وتوفد ثوارها الى كافة الاماكن، فهي وقفت بوجه العنف الذي تعرضت له النبطية وصور، وجل الديب وبعلبك وساحة الشهداء والرينغ، وأرسلت التحيات والهتافات عبر وسائل الاعلام المرئية والمواقع الالكترونية والوسائل المكتوبة، هي التي استقبلت الوفود القادمة من المناطق وفتحت منصاتها لهم، وخاصة الوفود التي جاءت من الجنوب، وبعد ان منعت البوسطة التي ارسلها الشمال، ومنعت من الوصول الى الجنوب.

بالرغم من التكلم عن المنصة التي احتلها بعض المتسلقين، والمشاكسين فيها لكن كانت منصة طرابلس وهتافاتها وأغانيها تتردد في الساحات اللبنانية بلكنة طرابلسية جميلة (معلمي يا معلمي مصيتلي دمي، ويا طرابلسي يا كبير) ، وشعارتهم كانت لا تقف امام الشوائب البسيطة بسبب مفهوم الانتفاضة هي شارع لا يمكن ضبطه، حيث باتت تردد في كافة ساحات الاعتصام.

ستبقى طرابلس عنوان المرحلة القادمة في عملية التحركات المطلبية التي تقوم بها الكتل الشعبية من كافة الشرائح الاجتماعية التي لا يمكن اسكاتها بالرغم من محاولة ممارسة البعض لأعمال لا تليق بالثورة، حيث بات الجميع يعلم بهم، ويعرف شكلهم ومشاكلهم،  طرابلس، والشمال لا يتحملان اية مسؤولية عن هذه الاعمال المشاغبة او التي تلصق بأشخاص دون اللجوء للعدالة، لان طرابلس رسمت اسمها بخط من عرق الثوار بانها “عروس الثورة” .

ربما المواجهة الاخيرة التي حدث مع الثوار في الغاء الشرعية عن المجلس النيابي من خلال رد فعل الثوار المنظم على تصرفاتهم الغير شرعية، والاختباء وراء الجدران الاسمنتية، لقد سجلوا الثوار في موقفهم الاعتراضي نقطة في شباك السلطة  من خلال المواجهة المباشرة في الرفض والقول بان المناطق والمجموعات قد نسقت مع بعضها البعض فالبقاعي كانت له مهمة الحماية والشمالي كانت له قوة الدعم والاشتباك والجميع يعلم بان اهل طرابلس باتوا ليلتهم في الساحة في العراء والبرد وكان موقفهم المواجه، والجميع كان يسمع ويتشجع للنزول طالما الطرابلسية وصولوا واهل الهرمل يعني بان الثورة بخير ومستمرة .

بعد كل هذا العرض نجد مدى ترابط الساحات فيما بينها مع المركز من ناحية، ومع التشدد بالاستمرار بالسير بالانتفاضة بالرغم من كل الظروف التي عاشتها وتعيشها الساحات لان الهدف مشترك  قائم تحت شعار “كلن يعني كلن”… وهذه الساحات وإن إنشغلت اليوم بالكورونا لكنها ستعود حتما الى الشارع لتقود الانتفاضة من جديد وفي القريب العاجل.

*صحافي وكاتب لبناني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى