رأي
مفهوم الهوية في لبنان من المنظور السوسيو سياسي!

لبنان عربي – رندة أحمد عبد الكريم

تتفق العديد من التخصصات العلمية، على أن مفهوم الهوية في لبنان من المنظور السوسيو سياسي لا يخرج عن نطاق التحولات التي طرأت على تركيبة المجتمع اللبناني في اطار ما شهدته المنطقة من حروب ونزاعات وهجرة ونزوح.
بالاضافة الى حدود الدولة المفتوحة على باقي الأمم، أما الثابت غير المتحول الذي رسخ هوية اللبناني فهو النظام الطائفي الذي نتج عن الولادة القيسرية الطائفية للبنان، ما سمح بظهور أجيال جديدة اكتسبت الجنسية الطائفية قبل اللبنانية، ما اضطرنا علميا الى طرح اشكالية الهوية والانتماء والمواطنة في المجتمع اللبناني.
هذه الاشكالية ينتج عنها عدد من الاسئلة التي تطرح نفسها أمام الواقع المأساوي للدولة اللبنانية التي لم تعرف النهضة يوما ولم ترق الى مصاف الدول الأخرى حتى النامية منها، ويدور أبرزها حول هوية اللبناني.. هل هي طائفية؟ مذهبية؟ تابعة لدولة أخرى؟ لشخصيات حاكمة؟ لمناطق وعشائر وقبائل…الخ؟.
وبالتالي هل هناك انتماء حقيقي للبنان؟ ولو وجد هذا الانتماء فهل يسمح بتشويه صورة الدولة وتحويلها الى مكب للنفايات؟ وتشويه الطرقات والجبال والانهار والبحر وكل الاجواء اللبنانية؟ هل يمكن ربط الانتماء بالعشوائيات والتعديات والمخالفات والسرقات والفساد والتهريب والتلاعب بالاسعار والولاءات للمافيات والعصابات …الخ.. هل يكون الانتماء بالتحالف مع العدو وبيع الارض والماء والتخلي عن الكرامات؟
لذا ومن هذا المنطلق، لا بدّ من إعادة تشكيل الهوية التي عبّرت وما زالت تعبر عن نفسها بعبارات طائفية، وكذلك عرقية أو حتى قَبَلية، وهذا يتوقف على هذا الكيان المنفصل عن مجاله الطبيعي قسرا والمتأثر بتلك المسألة الطائفية التي صبغت تأسيسه، حيث لم يعد يشعر اللبناني بذاته ولا بمواطنيته.
من جانب آخر، تميل مسألة إعادة تشكيل الهوية إلى التعبير عن نفسها طائفياً في لبنان، حيث فرض على الجماعات المتسقة المتوازنة الواحدة لغة التعايش مع بعضها البعض وهي غالباً السنّة والشيعة والمسيحيين وأبناء الأقليات الأخرى. فكيف يمكن ان تتعايش هذه الطوائف وهي تقاتل بعضها البعض وتتهم بعضها البعض؟
في كل هذه الحالات، سيكون من الصعب عكس ديناميكيات التفكّك في لبنان التي أُطلق لها العنان منذ تأسيس الجمهورية الطائفية، من دون توفّر وسائل جديدة ومبتكرة لإعادة الإدماج الاجتماعي و السياسي.
فعلى الصعيد الاجتماعي، لم يشهد هذا الكيان الذي ولد مريضا الا حالات الصراعات والحروب الأهلية، ومن بعدها التسويات والاتفاقيات الغارقة في بحر العلاقات الدولية المعنونة بالتبعية من أجل تحقيق المصالح لكل فريق طائفي على حساب آخر. فبعد كل حرب الغائية نعود مرغمين الى إطلاق عمليات المصالحة وتحقيق العدالة وإعادة توزيع الموارد والمغانم على الطوائف وامرائها ورجالاتها.
أما على الصعيد السياسي، فيستوجب على لبنان إجراء تغيير سياسي هيكلي، لا بل إعادة هيكلة سياسية، لوضع صيغ جديدة لتقاسم السلطة يمكنها أن تأخذ الحقائق الجديدة بعين الاعتبار، وتبدأ في التعامل معها. أما التحدي الذي ينتظره لبنان في المستقبل، إذا كان يرغب في الخروج من الليل الطويل والمُدلهِم الذي يبدو أنه قد دخله، فيتمثّل في محاولة إيجاد التوازن المناسب بين هوية وطنية أكثر توحّداً وبين تعدّدية اجتماعية وطائفية وسياسية، تمهيداً لإرساء الديمقراطية.
بيد أن تحقيق مثل هذا التوازن سيكون بالغ الصعوبة..