عربي دولي

هل نحن فعلا أمام “شراكة إستراتجية شاملة” بين الصين وإيران

لبنان عربي – سامر زريق

يوم السبت الماضي، وقعت الصين مع إيران إتفاقية تعاون تجاري مدتها 25 عاماً، أُطلِقَ عليها إسم “الشراكة الإستراتيجية الشاملة”، وقد شكلت هذه الإتفاقية مادة دسمة على “مائدة” الإعلام الدولي بجناحيه الأوروبي والأميركي، خاصة أن الإعلان عن توقيع الإتفاقية كان غداة فشل المحادثات الأميركية الصينية في “ألاسكا”، والعقوبات التي فرضتها الصين على بعض الكيانات الإقتصادية والتجارية الغربية.

هذا وقد هلّل أتباع محور الممانعة لهذا الحدث، معتبرين إياه “نصراً مبيناً”، مستفيضين في الحديث عن نهاية أميركا وأيامها المعدودة، وعن نشوء نظام عالمي جديد تشكل إيران أحد أركانه البارزة.
وبمعزل عن مبالغات قوى الممانعة، تعدُّ هذه الإتفاقية حدثاً نوعياً سيكون له تأثير بارز على المشهد الجيوسياسي الإقليمي في المستقبل.

وعلى الرغم من تكتم الطرفين عن فحوى الإتفاقية وبنودها، يذكر أنّ صحيفة “نيويورك تايمز” كانت قد نشرت في السنة الماضية مسودة هذه الإتفاقية، حيث تحدثت عن استثمارات صينية بقيمة تصل الى 400 مليار دولار في العديد من المجالات: الموانئ، السكك الحديدية، الإتصالات، تكنولوجيا المعلومات، الرعاية الصحية، مقابل حصول الصين على إمدادات نفطية بأسعار مخفّضة للغاية وبشكل منتظم.

كما تطرقت الإتفاقية الى تعميق التعاون العسكري بين الدولتين (التدريبات، البحوث المشتركة، تطوير الأسلحة، تبادل المعلومات الإستخباراتية). وفي هذا الصدد يقول رئيس تحرير صحيفة “إيران ديبلوماتيك” عماد أبشناس أن الإتفاقية تنصُّ على قيام الصين بإنتاج الكثير من البضائع في إيران. كما تحدثت بعض الصحف الإيرانية عن بند أخير في المعاهدة يتضمن إشارة الى أن إيران ستنضم الى النظام المالي الدولي الذي تعمل الصين على إنشائه بعيداً عن المنظومة المالية الغربية!

تأتي هذه الإتفاقية، والتي وقعها وزيرا خارجية البلدين وانغ يي ومحمد جواد ظريف، كتتويج لمسار تفاوضي بدأ منذ عام 2016، عقب زيارة الرئيس الصيني الى طهران ولقائه نظيره الإيراني. وقد تباطأت الاندفاعة الصينية لتوقيع الإتفاقية إثر وصول دونالد ترامب الى سدة الرئاسة الأميركية، وسياسة العقوبات المشددة التي انتهجها مع إيران عقب إنسحابه من الإتفاق النووي.

وتجدر الإشارة الى أن الإتفاقية واجهت معارضة شديدة داخل إيران، حيث شبهها البعض بمعاهدة “تركمنشاي الجديدة”، في إشارة الى المعاهدة التي تحمل الإسم نفسه، بين روسيا القيصرية وإيران القاجارية في القرن التاسع عشر، والتي تنازلت بموجبها إيران عن مناطق واسعة في القوقاز لصالح روسيا القيصرية. ويأتي في طليعة المعارضين الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي، نجاد الذي قال في وقت سابق بأن الأمة الإيرانية لن تعترف بإتفاق سري جديد مدته 25 عاماً بين الصين وإيران، وحذر من أي عقد يتم توقيعه دون أن يعرف الناس بتفاصيله سيكون باطلاً! كما أن عدداً من الإقتصاديين الإيرانيين يرون أن قيمة الإستثمارات الصينية في إيران والتي وردت في الإعلام مبالغ فيها بشكل كبير، خاصة أن الرقم يتجاوز كل الإستثمارات الصينية في الشرق الأوسط!

لكن موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي على المعاهدة، وتشجيعه على التوجه “شرقاً” ، كان عاملاً حاسماً في منح إدارة الرئيس روحاني الضوء الأخضر لإتمامها، حتى أن خامنئي عين أحد السياسيين المحافظين الذين يثق بهم، علي لاريجاني، مبعوثاً خاصاً الى الصين، من أجل تذليل العقبات ومنح المفاوضات قوة دفع إستثنائية.

كيف تنظر الصين للإتفاقية؟

أما في المقلب الصيني، فالإتفاقية هي بالدرجة الأولى بادرة صداقة وإمتداد طبيعي للعلاقة بين الدولتين، وفق ما ورد في تقرير موسع نشره موقع “الواشنطن بوست” ، للباحث الصيني “جانغ شنغ”، وهو باحث في معهد تشنغدو للشؤون العالمية في مقاطعة سيتشوان الصينية، كما كان باحث وزميل في المعهد الدولي للسلام، وناشر مجلات اكاديمية في بريطانيا وعدد من الدول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى