“التعليم عن بعد”: أين خطة الحكومة؟

لبنان عربي – منى محمود العويك

فيروس صغير، لا يُرى بالعين المجردة، أرهب العالم بأكمله، تمكن من اجتياح اغلب الدول وسبب هلعا غير مسبوق بين الناس، تعاطت أغلب المجتمعات معه على أنه وباء قاتل، فيما بقيت فئة لا يستهان بها تنظر اليه على أنه مجرد “رشح عادي ويزول” فلم يلتزموا الوقاية اللازمة لإجتنابه.
ولقد تزامن “الاستعمار الكوروني” للعالم، مع إقتراب العام الدراسي 2019_2020 من نهايته، وبما ان هذا الاستعمار فرض الحجر المنزلي على جميع فئات المجتمع ومن ضمنهم بطبيعة الحال الطلاب والاساتذة، وبما أن ملف الكورونا أتى بعد تعطيل “ثوري” للجامعات والمدارس فرضه الحراك الشعبي الذي إنطلق في السابع عشر من تشرين الأول المنصرم، فلقد بدأ الحديث جديا عن إمكانية “تشريع” وزارة التربية، للتعليم عن بعد كتدبير إحترازي منها كي لا يفوت الطلاب عامهم الدراسي.
فهل يكون “التعليم عن بُعد” السبيل المنجي لعدم ضياع السنة الدراسية، وآلية ناجعة للسيطرة على التراكمات المنهجية؟
لم يكن في اليد حيلة، أُصدر معالي وزير التربية والتعليم العالي قراره القاضي بأن تسعى إدارات الجامعات والمدارس كل منها حسب امكانياتها بمد جسور تكنولوجية مع طلابها وتدريسهم عن بعد حتى يبقوا في الاجواء التعليمية وكي لا يفوتهم الكثير، دون ان يكون لأحد جواب عن مصير العام الدراسي في ظل تطور الأزمة الكورونية في لبنان بشكل مطّرد.
وما ان عُمم قرار الوزير، حتى بدأت المجموعات الواتسابية تنهال على الطلاب بكل المراحل، مع ما تحتويه من فيديوهات مصورة لمسائل حسابية، وصفحاتpdf تتضمن عشرات الاوراق، وما هي الا جزء بسيط من مقررات أُجلت حتى آن أوانها لتبعث عبر الانترنت.
اضافة الى ذلك إنتشرت “الفويسات” الطويلة التي يزيد وقتها عن الخمس دقائق ليصل احيانا إلى ٢٠ دقيقة، فيما إستخدمت بعض المعلمات تقنية الـ “video call” بصيغة جماعية علّها تستطيع إيصال شرحها بشكل أفضل، وتستدرك الفهم المغلوط لدى بعض الطلاب.
لا وقت محددا، ولا أيام معينة لهذا النوع الجديد من التعليم أقله في ما خص طلاب الجامعة اللبنانية، حيث كل رأس ساعة أو أدناها هي بداية محتملة للبدء بالتواصل الإفتراضي التعليمي، لذا ترى الإمتعاض سمة الطلاب والأساتذة لأن التنظيم الذي يجب ان يسود هذه العملية يكاد يكون شبه منقطع الا في ما ندر من الحالات.
سلبيات للتعليم عن بعد
ولا بد من الإشارة الى سلبيات “التعليم عن بعد”، فمثلا يشكل عدم إمتلاك فئة كبيرة من الطلاب للهواتف الذكية عائقا جوهريا أمام مشاركتهم في هذه العملية التعليمية، كما يسهم عدم توفر “الإنترنت” للبعض إطلاقا، وللبعض الآخر الا في ساعات محددة، مشكلة إضافية ومعقدة تحتاج الى رؤية للخروج منها، أضف الى ذلك كله أن الحالة النفسية التي تسيطر على الطالب في هكذا أحوال تعيق تلقيه التعليم بالشكل المطلوب.
ثم تطرح أسئلة جدية في هذا الإطار: ما هي المعايير التي ستعتمد لمنح الطالب العلامات التي تخوله النجاح؟هل هناك من قياس واحد بين الجميع أم سيكون لكل مادة قياسها الخاص نظرا لأهميتها؟ وما الذي يؤكد ان الطالب نال فعلا كل المعلومات في المواد المختلفة؟ وعلى أي أساس وبأي وسيلة سيُمتحن؟ وماذا عن طلاب الشهادات: كيف سيصار الى التعاطي معهم؟ هل نحن على طريق منح الإفادات كما جرى في السابق؟ أم سيخضعون لإمتحانات عادية ضمن شروط صحية تحميهم؟
هذه الإشكاليات وغيرها من شأنها أن تزيد الأزمة التربوية تعقيدا، خاصة أنه لم يصر حتى الآن الى البحث الجدي من قبل المعنيين بمصير العام الدراسي، ولا تم وضع خطة للتعامل مع تقنية التعليم عن بعد، بل الأمور متروكة لإجتهادات وإمكانيات وظروف بعض المدارس والجامعات، دون خطة مركزية حكومية تظلل الجميع.
فهل سنشهد في الأيام المقبلة خطة تسد هذا الفراغ؟ بالتوازي طبعا مع تطورات “كورونا” في لبنان؟ أم ستبقى الأمور على ما هي عليه خاصة إذا إزدات الامور الصحية والطبية مأساوية؟