المرأة بين تمكين الذات وقساوة الحياة

لبنان عربي – فاطمة الموسوي
قد لا يثير الجدل العلمي والبحثي الا المواضيع التي تتناول الذات الانسانية بكل تشعباتها الشعورية واللاشعورية، خاصة أن بناء القدرات والتمكين والتثقيف واثبات الوجود في مجتمع لا يعترف بالقوة والطاقة الذاتية للانسان بشكل عام، وللمرأة بشكل خاص، بات يثير اشكالية الشخصية المتناقضة قسرا، بين القوة والضعف، بين الحرية والقيود، بين القدرات والامكانات الذاتية من جهة، وبين الاستسلام للواقع وعدم القدرة على تفريغ الطاقات الكامنة في الروح والفكر وثقافة الحياة من جهة ثانية.
هي قساوة الحياة الاجتماعية والعائلية والزوجية، بالاضافة الى النظام العلائقي الذي يرتبط بايديولوجية فلسفية بات يلفظها الواقع والتطور والتغيير في المنظومة الفكرية والاجتماعية التي هي جزء لا يتجزأ من عالم الحداثة.
يرى الدكتور مصطفى حجازي أنّ المرأة في المجتمعات التقليدية تتعرض لعملية تبخيس دائم لجهدها، مما يسمح للرجل باستغلال هذا الجهد دون مقابل أحياناً، وبمقابلٍ هزيلٍ أحياناً أخرى كما تتعرض لتبخيس إمكاناتها، مما يدفع بها دوماً الى مواقع إنتاجية ثانوية استناداً الى مبدأ التقسيم الجنسي للعمل.
ولكن لما كان المجتمع عرضة لتحولات اجتماعية مستمرة، فإننا نرى أن المرأة اليوم لم تعد مجرد إناء للإنجاب ولم تعد وظيفتها محصورة بالتربية الأسرية وتمتيع الرجل جنسياً وأن تكون ظلاً تابعا له (السيد المسيطر).
وبالتالي لا بد من الاشارة الى أن المرأة التي تعمل على بناء شخصية مختلفة من حيث التفكير والعمل والعلاقات الاجتماعية والعملية، قد تصطدم في كثير من الاحيان، بعدم القدرة على تخطي عقبة المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات وخاصة تلك القرارات الحاسمة والمهمة والمصيرية، حيث تتعرض الى اقسى انواع الضغط والرفض وعدم التفهم والاهتمام من الزوج على سبيل المثال، او من اي شخص من العائلة.
في الاطار نفسه، قد يكون الاصطدام بين المرأة والرجل حين يشعر هذا الأخير أن المرأة تستطيع الوصول الى المواقع والمراتب الاقتصادية والانتاجية التي تفرض أحقيتها في اتخاذ القرارات ووضع الخطط التي تتناسب وطبيعة عملها وكيفية ادارتها لهذا العمل.
وإن وصولها إلى مراكز “السلطة” وتبوء مكانة اجتماعية مرموقة يهدد هوية الرجل الذكورية ويهدد مصالحه السلطوية، على الرغم من أنه يعلم أهمية دعم المرأة والوقوف الى جانبها وتقديم كل ما يمكن لكي تحقق ذاتها اكثر وتصقل شخصيتها الابداعية بكل الطرق الممكنة، ذلك أنها الشريك الحقيقي في عملية البناء، وهي القوة التي لا يمكن الاستغناء عنها في المواجهة وتخطي العقبات والسير بخطى ثابتة في هذه الحياة.
من منطلق اخر، تتعرض المرأة المثقفة، العاملة على تكوين نفسها، الى نوع اخر من الضغوط الاجتماعية التي تلامس مشاعرها الانسانية والروحية والجسدية. هذه الضغوط قد تكون تلقائية ناتجة عن تنشئة اجتماعية يقول فيها Albert Harrison أنها استدخال واستدماج ثقافة المجتمع في بناء شخصية الفرد وتمثّله لها، وإكسابه النمط الثقافي والقيم والمعايير السائدة؛ وقد تكون هذه الضغوط جزءا من الحالة النفسية التي يعيشها الشريك غير المتقبل لما وصلت اليه المرأة من قدرات وامكانات خلقت لديها شخصية مختلفة من حيث الشكل والمضمون.
وعليه، نرى أن المرأة تعيش أقسى أنواع الصراع الذي يرتبط بشكل مباشر بالمشاعر التي تحرك كل خلية من خلايا الإحساس والتفكير، حيث نراها تعيش حالة من التخبط والضياع بين الاستقلالية والتمرد الذي فرضته ظاهرة الانقلاب على الذات ومحاولة صياغتها بشكل مغاير لما هو سائد، وبين الذات المرتهنة للواقع والعلاقات التقليدية والضوابط الاجتماعية والقيود العائلية والدينية وغيرها.
لنرى بعد ذلك كيف يدمج الفرح بالحزن، والقوة بالضعف، والنجاح بالفشل، ما يولد عموما – مع وجود استثناءات- شخصيات ممزقة في هويتها (لا سيما هويتها الجندرية)، متوترة في سلوكياتها الاجتماعية، هادفة بشكل سلبي إلى عدم اتخاذ قرارات استثنائية قد تثير الجدل الاجتماعي، لتمايزها عن السرب أو القطيع السائد.
هذا التمكين الذاتي المعنون بالتمرد الاجتماعي والألم النفسي، قد يؤدي الى مزيد من التوترات الصحية والشخصية، كما قد يزيد من الشرخ الفكري والحياتي بين الشريكين إن لم يكن هناك توافق فكري نفسي اجتماعي منذ البداية.
أما الوصول الى الحالة الطبيعية من التمكين الذاتي فلا يكون الا بالقدرة على اتخاذ القرارات التي تعمل على خلق الانسجام وتقليص الهوّة بين الذات المنتَجة وواقع الحياة المعادِ إنتاجه، بين الروح والجسد، بين التفكير والفعل، وبالتالي تتحمل الشخصية المتصالحة مع نفسها مسؤولية انخراطها في الحياة لانها ابنة الحياة.