أنصار المستقبل والعزم… “أصدقاء عند الحاجة”
لبنان عربي – طلال الدهيبي
عندما سُئل الرئيس نجيب ميقاتي قبيل انتخابات عام 2009 عن سبب تحالفه مع الرئيس سعد الحريري، رد قائلاً: “لن أقبل بتاتاً بأن يختلف الأخ مع أخيه بسبب السياسة”.
بالطبع لم يكن هذا السبب الحقيقي لتحالف الزعيمين آنذاك، فالمصالح هي وحدها من تحدد بوصلة تحالف الزعماء وتخاصمهم في لبنان، لكن كلام ميقاتي كان يشير الى مشكلة فعلية وهي “تأثّر الجماهير بتموضع زعيمها”، وانعكاس ذلك على العلاقات بين الأفراد ضمن المجتمع الواحد وحتى ضمن العائلة الواحدة.
لعل علاقة الرئيس ميقاتي بالرئيس الحريري خلال السنوات الفائتة، والتي تأرجحت ما بين الائتلاف والاختلاف، والتحالف والخصومة، تقدم أفضل مثال عما تقدم.
فائتلاف الاثنين عام 2009 عندما خاض الأول مع مرشحي الثاني غمار الانتخابات النيابية، ضمن لائحة “التضامن الطرابلسي”، انعكس صفاءً ووداً وتضامناً بين جماهيرهما.
على أنّ هذا التضامن لم يستمر طويلاً، فما إن أعلن ميقاتي قبوله ترأس حكومة الانقلاب عام 2011، حتى اشتعلت نار الخلاف بين جماهير العزم والمستقبل، ووصلت حممها الى داخل العائلات الطرابلسية، لا سيما تلك التي توزع ولاء أبنائها بين الرئيسي، ويومها أطلق أنصار الحريري على الحكومة اسم “حكومة القمصان السود”، في حين اعتبر أنصار الميقاتي زعيمهم صمام أمان الوطن في اللحظات الصعبة والمفصلية.
وإذا كان الحريري قد انسحب من الحلبة السياسية، وانزوى في منفاه الاختياري في السعودية، إلا أن الخلاف بين الميقاتيين والحريريين استمر وازداد حدة وضراوة.
تظاهرات واعتصامات زرقاء تحت منزل ميقاتي، يقابلها تنديد واستنكار، واستمر الصراع على أوجّه طيلة السنوات اللاحقة، فلا يكاد يهدأ قليلاً حتى يشتعل من جديد عند كل استحقاق نقابي أو طلابي.
وزادت تلك الخلافات من حدة التمزق في الثوب الطرابلسي المهلهل، واتسع الخرق على الرتق، ولا وجود لخياط ماهر يستطيع ترقيعه بين الفينة والاخرى. فهناك من خاصم شقيقه، وآخر أنف أن يزور منزل أهله، أصدقاء العمر تفرق شملهم، وجلسات المقاهي تحولت الى حلبات مبارزة كلامية بين أنصار الزعيمين.
والمفارقة أنه عندما كان الصراع محتدماً بين جماهير الاثنين، اتفق الحريري مع الميقاتي على هدنة، ضمن حملة ربط النزاع السياسي التي قام بها الحريري، فانتجت حكومات وحدة وطنية حظيت ببركة الميقاتي دون رهطه.
وفي هذا السياق، كان من الملفت للنظر أن تؤيد جماهير المستقبل، ومن دون تحفظ شعار النأي بالنفس، الذي نادى به الحريري، وهو الشعار نفسه الذي عابته على الميقاتي أيام حكومته، مما يعبر عن حالة فصام مزمنة يعاني منها جمهور المستقبل أكثر من غيره.
انتخابات 2018 وتجدد الحرب
ثم حل الموسم الانتخابي عام 2018، ببركاته ونفحاته المالية، وحفلات المزايدة، وحملات التجريح والتخوين، من بعد غياب ناهز التسع سنوات.
وعلى مدى أشهر، كانت مواقع التواصل الإجتماعي ميداناً لصراع قاسٍ بين العزميين والمستقبليين، جعلها أقرب الى وسائل “التقاتل الاجتماعي”، صراع استخدمت فيه شتى النعوت وأنواع السباب، وانتهكت حرمة الأموات.
وقام أنصار الميقاتي بصنع فيديوهات مركبة لمشاهد من جولات الحروب العبثية بين التبانة وجبل محسن للتذكير بمآثر الحريري، ورد أنصار الأخير بفيديوهات من فترة رئاسة الميقاتي للحكومة تتضمن وعوده التي لم تبصر النور، ومن أشهرها المائة مليون دولار المخصصة للاستثمار في طرابلس والتي ذهبت أدراج الرياح.
وبين هذا وذاك، زادت شقة الخلاف بين الأهل والجيران والخلان، وارتفعت وتيرة الاشكالات اليومية المتنقلة من أجل صورة هنا، ولافتة انتخابية هناك.
ولم تكد شمس الانتخابات تغيب، معلنة عن اقتسام المقاعد النيابية بين لائحتي الحريري وميقاتي، حتى عاد الوئام بين الاثنين، وطُويت صفحة الخلافات بينهما تحت راية وحدة الطائفة.
سارع الميقاتي الى تسمية الحريري رئيساً للحكومة، وبدوره رد الأخير الجميل بمنحه مقعداً وزارياً، تاركين جماهيرهما تلملم آثار الحملة الانتخابية.
وبعد مرور أربع سنوات على انتخابات عام 2018، هناك من لا يزال يقاطع أخاه أو ابن عمه أو خاله أو صديق عمره، فقط كرمى عيون ميقاتي أو الحريري، فهل قام الرئيسان بمحاولة اصلاح ذات البين وحل الخلافات التي تسببا فيها؟ قطعاً لا.
ماذا بعد التكليف؟
واليوم، كلّف الميقاتي بدعم حريري بتشكيل حكومة جديدة، وقال في مقابلة متلفزة “أنا والميقاتي واحد”، وهو ما أكد عليه الأخير، فهل أنصار الاثنين أصبحوا واحداً كذلك، أم أن الخلافات لا تزال تنخر بينهما؟
لقد آن الأوان أن تخرج الجماهير من عباءة زعيمها، فلو كان الزعيم “المفدّى” حريصاً على جمهوره، ضنيناً على مصالحهم، لما كان أحد من اللبنانيين أسير طوابير البنزين والدواء والخبز، تلك الطوابير التي تزدهر بشدة في طرابلس وجوارها بالذات، فهل هناك دلالة أشد وضوحاً منها؟.