محليات

الرئيس “القوي”… “عضلاته مفتولة”

لبنان عربي – سامر زريق

قرار مصرف لبنان بوقف بيع الدولارات لمستوردي المحروقات، وسواها من المواد، على سعر صرف منخفض عن سعر السوق، قرار لا مفر منه، حتى لو نجحت تهديدات رئيس الجمهورية، وضغوط فريقه ورهطه السياسي، في تأجيل تنفيذ القرار شهراً أو بضعة شهور.

هذه الحقيقة واضحة وساطعة منذ بداية المسار الانحداري لليرة في أواخر العام 2019.

لقد تأخر رياض سلامة كثيراً في اتخاذ مثل هذا القرار، ما أتاح لكارتيلات التجار والمستوردين، وصغار اللاعبين في السوق الموازية، استنزاف دولارات المصرف المركزي حتى وصلت الى الخط الأحمر، ومراكمة أرباح هائلة، باستغلال الفوارق في أسعار الصرف، دون أن يستفيد عامة المواطنين، الذين قاسوا الأمرّين للحصول على المشتقات النفطية.

بيد أنه ما إن صدر بيان المصرف المركزي برفع الدعم، حتى هبت في وجهه عاصفة من الانتقادات وردود الفعل الغاضبة، حيث اعتبر كُثُر، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ونواب ووزراء، قرار سلامة بمثابة حكم بتفجير البلد.

حسناً ربما يكون رياض سلامة مجرماً وسارقاً ومزوراً وجاسوساً، حسب ما وصفته جريدة الأخبار، لكن لماذا لم يبادر الرئيس القوي، وهو الذي عمل منذ دخوله قصر بعبدا، على حصر جميع السلطات في يديه كملك غير متوج، ويضع حداً لنزق سلامة واجرامه، بل ويسجنه إن استطاع؟

الجواب بكل بساطة أنه ليس لدى ميشال عون أي فكرة أو برنامج لوقف الانهيار، ومحاولة النهوض الاقتصادي، جل ما يملكه مجموعة من المستشارين المبدعين في ليّ ذراع الدستور والقانون، واستخدامهما وسيلة لتحصيل مكاسب سلطوية لا أكثر ولا أقل.

مذ بدأت علائم انهيار الليرة، كان رئيس الجمهورية ميشال عون، يكتفي باستدعاء حاكم مصرف لبنان مراراً وتكراراً، ويطلب منه ضرورة الابقاء على سعر صرف الليرة 1515، حتى نهاية عهده، ومهما كان الثمن.

ثم بعد ذلك، ومع انهيار سعر الصرف بشكل متكرر، طلب منه دعم المواد الأساسية حتى آخر دولار، وهدده بسجنه في حال لم يرضخ، مستخدماً في تهديده ذراعه القضائي الأمضى، قاضية القصر غادة عون، التي واظبت على رفع الدعوى تلو الأخرى ضد رياض سلامة.

المهم أن الرجل رضخ، لا خوفاً من ميشال عون، أو غادة عون، أو أي فرد من أسرة عون المبجلة، بل لأهداف تخصه، ومصالح يحرص عليها.

إن اللوم فيما يحصل يقع على عاتق رئيس الجمهورية في المقام الأول، وعلى الحكومة التي يتحكم بقرارها هو وصهره العزيز. ذاك الصهر الذي تفاخر يوماً في كيفية إدارة الدولة من دون موازنة، والذي كان يطرح الخطط الاقتصادية الواحدة تلو الأخرى، ابان حكومة الحريري الأخيرة، وهي لا تعدو كونها مجموعة أفكار مستنسخة من الكتب والمراجع الاقتصادية، لا يملك أي فكرة عن كيفية تطبيقها.

كان لدى ميشال عون متسع من الوقت لتفادي الوصول الى هذه اللحظة، لكنه أهدر الوقت في عرقلة تشكيل حكومة تنكب على استنباط حلول للأزمة، متبجحاً تارة بحقوق المسيحيين وطوراً بصلاحيات الرئاسة. حتى خطة التعافي المالي والاقتصادي التي صاغها فريق مستشاريه وتبنتها الحكومة المستقيلة، هو نفسه من “فتك” بها عن طريق نواب تكتله، مما ينم عن “سكيزوفرينيا” سياسية مزمنة.

يا من جعل الدستور خرقة بالية يدوس عليها في كل صباح وليلة أين خططك، وأين مستشاريك، الحكومة ملكك، ومؤسسات الدولة طوع بنانك، فحبذا ألا تختبئ خلف موظف مهما كان حجمه ومنصبه، أنت المسؤول الأول عن كل ما يحصل، لست الوحيد ولكنك الأول.

تريد تغيير النظام وأنت تعجز عن مواجهة موظف، تريد مواجهة الدول الكبرى والمجتمعين الدولي والعربي وأنت لا تستطيع تأمين بضع ليترات مازوت للإنارة، بعدما أمعن صهرك في الاستعراض في وزارة الطاقة حتى أضحت فعلياً بلا طاقة، يا لقساوة المشهد.

فخامة الرئيس أنت المسؤول وليس رياض سلامة أو أي شخص آخر. من يريد حكم الدولة مقتفياً – كما يردد – سيرة شارل ديغول، أو يظن نفسه سلطان الدولة أو بهاء الدولة أو عضدها عليه أن يبادر لا أن يثرثر.

قال الكاتب الكبير محمد الماغوط فيما سبق، أنه لا توجد حرية، توجد خطابات عن الحرية، كذلك في بلدي لا توجد حلول بل خطابات تتحدث عن حلول.

فخامة الرئيس، إن كانت لديك الحلول فافعل، وإن لم يكن لديك…. فارحل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى