ثقافة

تراجيديا إنشطار الذات

لبنان عربي – نبيل عرابي

هناك أصناف من الكتب لا أشعر بأي انجذاب لقراءتها، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لكلّ مَن يهوى المطالعة، وبذلك يكون لكلّ صاحب اهتمام اتجاهه في هذا المضمار، ويكون لكلّ صنف مَن يوليه العناية التي يستحقها، وبذلك أيضاً يستمرّ كوكب المعرفة وحب الاطلاع في الدوران ضمن فلك كل مَن يهوى تفاصيله الدقيقة، وفي كلّ المجالات، دون توقّف على مدار الساعة.

ما دفعني لقول هذا هو أنني، ولسبب ما زلت أجهله، وقعتُ في شباك إحدى المسرحيات الهندية المصنفة تحت مُسمّى الميتولوجيا، أو الأساطير والخرافات المرتبطة بكثير من الشعائر والطقوس التي مازالت تُمارس في الشرق الأدنى، وهي تتحدّث– وفقاً لما جاء في التمهيد- الذي كتبه المترجم عن تراجيديا انشطار الذات والفصل بين المادّيّ والروحي، والجسد والعقل. وبالتأكيد فقد تمّت المعالجة للمادّة التراثية في ضوء العصر ليقدّم خطاباً مسرحياً متعدد الدلالات والمستويات التي ترتبط بالإنسان الهندي بوجه خاص، والإنسانية بوجه عام، لأنّ المسرحية التي نحن بصدد الحديث عنها تعتبر مثالاً تتجلّى فيه سمات المسرح الهندي المعاصر، وتتجلّى فيه براعة مؤلّفها ككاتب مسرحي.

واعتبر المترجم أن هذا العمل الفني هو بمثابة خطاب فلسفي نفسي واجتماعي سياسي من خلال لغة شعرية إيحائية مليئة بالرموز والإشارات.

أما الكاتب فهو يقول عن مسرحيته أنها كُتبت في شكل “ياكشاجانا” حيث الحكي هو روح هذا الشكل، مع استخدامه للغناء والتمثيل الصامت والرقص على نطاق واسع، وذلك لإبداع تجربة مسرحية شاملة، فيقوم “البهاجافاتا” (الراوي) بتقديم القصة عن طريق التحدّث بصيغة الغائب، بينما الشخصيات الأخرى تقوم بتجسيد ما يرونه ومسرحته عن طريق صيغة المتكلّم.

وبأسلوب أوضح يشرح المترجم الأمر بأنّ ما تتميّز به المسرحية بنائياً يتمثّل في توظيف “البهاجافاتا” (الراوي) الذي يروي ويغني في الوقت نفسه. يقوم بإخبار الجمهور داخل الشخصيات المسرحية التي توجد في المشهد المسرحي، وقد يهيىء المتفرّج لاستقبال ما سيراه أمامه عن طريق التركيز على مقولات معينة أو على انفعالات، وأفعال وردود أفعال معيّنة.

ويخلص المترجم إلى أنّ ما قام به مؤلّف المسرحية يتّفق مع هويّة المسرح الهندي، الذي يمتدّ تاريخه إلى ما قبل الميلاد بخمسمائة عام.

وقد استوقفتني مقاطع وفقرات عدة في سياق المشاهد والحوارات أذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

– أمسكَ الصورة المنعكسة بين يديه المشكّلتين ككأس وتأمّلها. سقط الماء من بين أصابعه. أمسكها مرة أخرى، ومرة أخرى سقطت منه. عندئذٍ جأر بصوته فبدت الغابة كلّها تصرخ، صاح “الفتاة، الفتاة” ثم بكى. (ص 58)

– إنّ رؤية صورة لشخص ما منعكسة، ويتوحّد هذا الشخص معها يكون هذا معناه رؤية شكل للروح. لكنك لا تستطيع أن تفهم كلّ ذلك لأنك متعلّق بالجسد. إنّ الناس الذين يرفضون النظر إلى ما هو أبعد من الجسد لا يمكنهم فهم مثل هذه الأمور. (ص 62 )

– سيبزغ الغد لكن ليس كالمعتاد. سيكون الصواب والخطأ في وضعهما الحقيقي، وسيرحل ظلام الشك بعيداً. هل تعرف.. لن يكون هناك ركن في القصر لا يغمره الضوء. سوف يستيقظ الفجر، وبراعم عالم جديد سوف تتفتّح. سيتحوّل الحزن القديم إلى ابتسامات. (ص 113)

وبالإنتقال إلى تفاصيل هوية هذه المسرحية نجد أنّ :

عنوانها : سيري سامبيجي.

المؤلّف : تشاندرا سيخار كامبار.

ترجمة وتقديم : د. مصطفى يوسف منصور.

مراجعة : د. عصام عبد العزيز.

إصدار : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت. سلسلة

إبداعات عالمية، العدد 319، أغسطس/ آب 1999.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى