قراءة في واقع السُنة في لبنان… استهداف وجودي وتفكك داخلي

لبنان عربي – سامر زريق
إذا أردنا استعراض مراكز السنة في الدولة، وتحديداً وظائف الفئة الأولى، لوجدنا أن جميعها دون استثناء تتعرض منذ سنوات، الى حملات إعلامية ممنهجة وقاسية على اختلاف أسماء شاغليها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
– مدعي عام التمييز الحالي والأسبق
– مدير عام قوى الامن الحالي والأسبق
– رئيس مجلس الانماء والاعمار
– رئيس لجنة الرقابة على المصارف
– مدير عام طيران الشرق الأوسط
– رئيس هيئة أوجيرو الحالي والأسبق
– مدير عام مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحالي والأسبق
واحد من شاغلي هذه المراكز، على الأقل يذكر اسمه يوميا في نشرات الأخبار، وفي المقالات والتحقيقات التي تزدان بها صفحات الصحف والمواقع الإخبارية، حيث يصنفون في خانة الفاسدين!
والسؤال: لماذا هم دون غيرهم عرضة للاستهداف بشكل دائم؟
تلقائياً سيحضر الجواب التالي: الفساد.
ولنسلم جدلا أن هؤلاء جميعا طغمة فاسدة، لكن أليس الفساد في لبنان داء عضال، نخر ولا يزال، جسد الدولة منذ قيامها حتى اليوم؟.
وعلى افتراض ان الفساد هو المعيار، لماذا يغيب ذكر اسم مدير عام كهرباء لبنان؟ وهي المؤسسة الأكثر فشلا وفسادا في تاريخ لبنان القديم والحديث، حيث أهدرت فيها خلال سنوات معدودات أكثر من 40 مليار دولار أميركي، بهدف الحصول على الكهرباء، وها نحن اليوم نبحث عنها “بالسراج والفتيلة” ولا نجدها؟
والحال من بعضه، لماذا لا يتم التعرض لمدير عام وزارة المالية، الذي تربع على عرشه المالي لسنوات طوال، ووقّع وقونن كل الميزانيات المنفوخة وسدد فواتير المليارات الوهمية، وهو صاحب الانجاز التاريخي الذي ستحكي عنه الأجيال، والمتمثل بسلسلة الرتب والرواتب العجائبية التي حتى اليوم لا يوجد رقم محدد لها.
وأين رئيس الجامعة اللبنانية من سيل الانتقادات؟ وهو الذي حول جامعة الوطن الى حديقة خلفية لمين يدين لهم بالولاء، وأقدم على حشو الجامعة بأساتذة حزبيين من ألوان معينة، حتى لو لم يكونوا أهل اختصاص وكفاءة، في فضيحة لو حصل مثلها في دولة أخرى لقامت الدنيا ولم تقعد. أليس هذا فسادا ماليا وتربويا وأخلاقيا؟؟
ثم هل يعقل أنه لا يوجد في الدولة اللبنانية مدير عام سني او موظف سني واحد رفيع المستوى غير فاسد؟
لذلك تتولّد قناعة لدى كثيرين ونحن منهم، أن استهداف هؤلاء يتم لسبب وحيد وبسيط، أنهم من “أهل السنة”، ولأن السنة هم الطرف الأضعف في المعادلة السياسية في العقد الأخير، وضعفها بنيوي داخلي متأثر بتشتت سنة الخارج وغياب المشروع السياسي لهم.
طائفة كبيرة العدد، مترامية الأطراف، منتفخة من الخارج فارغة من الداخل، مشرذمة ومفككة.
هم كثر، لكنهم كغُثاء السيل، بأسهم بينهم شديد، تفرق بينهم المنافع والمصالح. ومع أن اسمهم التاريخي هو “أهل السنة والجماعة”، إلا أنهم نسوا الجماعة منذ أمد بعيد، لمصلحة النوازع الفردية الكامنة في العقول والمخبأة في الصدور.
أين مثقفو السنة، وأين نخبهم؟ لماذا يكونوا على الدوام أول من يتصدر حملات الاطاحة برأس هذا المدير أو ذاك؟ هل هذا من باب التقية؟ ام لأنهم غير طائفيين في بلد طائفي حتى النخاع؟ ام لأنهم لم يعوا حتى اليوم دور السنة المطلوب كجماعة سياسية وثقافية لا كأفراد؟
الأرجح أن الاحتمال الأخير هو الأصوب، ناهيكم عن تأثر نخب السنة ومثقفيهم بجو الحملات الإعلامية أكثر من غيرهم، لا سيما مع غياب إعلام سني الطابع، فتنعكس أصداء هذه الحملات بعمق داخل المجتمع السني، ليصبح شاغلو المراكز السنية هم حديث الشارع والصالونات وأهل المقاهي، حيث يتعرضون لأشنع الحملات والتقريع والسباب، دون أن يملك من يتحدث عنهم معلومة واحدة صحيحة عما يجري.
السنة الأكثر تأثرا بالأزمة الاقتصادية
وأبعد من ذلك، ها هي الأزمة الاقتصادية تلقي حممها على مختلف المناطق والجماعات اللبنانية، لكن لماذا الطائفة السنية هي أكثر من اكتوت بنارها؟
لماذا تتفشى ظاهرة اطلاق النار، وترتفع حدة القتل في المناطق السنية دون غيرها، حتى أنه قلما يمر يوم دون حصول جريمة قتل أو أكثر في إحدى المناطق السنية؟
لماذا تتأثر المناطق السنية أكثر من غيرها بانقطاع مادتي البنزين والمازوت؟
لماذا الفوضى هي السمة البارزة في الأسواق والمحال التجارية والسوبر ماركت ومحطات البنزين في المناطق السنية؟
لماذا ظاهرة غالونات البنزين هي المسيطرة على المشهد في كل محطات الوقود لدى السنة؟ لماذا يضطر السنة للجوء الى المناطق الأخرى من أجل الحصول على البنزين والمازوت؟ هل كانوا ليفعلوا ذلك ويعرضوا أنفسهم الى اهانات نطالعها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لولا أن الشركات والمحطات السنية أقفلت ابوابها امامهم؟
لماذا يمتنع التجار السنة أكثر من غيرهم عن بيع السلع الأساسية والحيوية، ويحرمون بذلك أبناء طائفتهم قبل غيرهم منها، فقط من أجل حفنة من الدراهم؟
لماذا الحواضر السنية هي الاكثر عرضة للعنف وأعمال الشغب والتمرد على الشرعية؟
لماذا لا تبادر الفاعليات والقيادات المحلية في المناطق السنية الى تنظيم أمور مناطقها في الحد الأدنى، مثلما يحدث في باقي المناطق، حين نرى بلدية هنا تُبقي أسعار فاتورة اشتراك مولدات الكهرباء في نطاقها البلدي كما كانت، على أن تدفع هي الفارق من صندوقها، أو من خلال تبرعات بعض رجال الأعمال، أو منطقة هناك يتولى الوجهاء فيها توزيع مخزون الصيدليات من الأدوية المزمنة بعدالة بين ابناء المنطقة؟
لماذا توزيع المساعدات والحصص الغذائية في المناطق السنية باتت عملاً محفوفاً بالمخاطر، بسبب بلطجة بعض الغوغاء؟
لماذا عدد الفقراء والمهمشين في المناطق السنية هو الأكبر في لبنان؟
لماذا ولماذا ولماذا، هناك العديد من التساؤلات التي يمكن طرحها وفق نفس المقاييس السابقة، للتدليل على شدة المعاناة في المناطق السنية، والتي تظهر بغزارة في نشرات الأخبار وتغزو وسائل التواصل الاجتماعي.
ويجب الاعتراف بكل صراحة وشجاعة، أن السنة في لبنان يعيشون اليوم عصر انحطاط لم يشهدوا مثيلاً له منذ أيام الحملات الصليبية، بل أن حالهم أشبه بحال العرب قبل بعثة النبي محمد “صلى الله عليه وسلم”، حيث يتخاصمون ويتقاتلون ويتحاربون فيما بينهم، تاركين الجماعات الأخرى تتلاعب بهم وتحرضهم بعضاً على بعض من أجل منافعها ومصالحها، حيث لا قضية تجمعهم ولا مصيبة توحدهم.
أول ما يتبادر الى الذهن أن ممثلي السنة السياسيين هم المسؤولون عن هذه الحالة. بالطبع هم كذلك، فالناس على دين ملوكهم، أينما ولوا كانوا على شاكلتهم. وكما يقول الشيخ “رشيد رضا”: “وقد مضت سنة الاجتماع في تقليد الناس لأمرائهم وكبرائهم، فكل ما راج في سوقهم يروج في أسواق الأمة”.
لكن ذلك لا يعفي النخب والمثقفين السنة من مسؤوليتهم ايضاً عما آلت اليه أحوال السنة، بفعل تخاذلهم وأنانيتهم. فلو لم تكن الطائفة السنية تعاني من حالة انحطاط مزمنة، لما كان لهؤلاء السياسيين أن يصلوا الى كراسي الحكم، أو ليتمكنوا من المضي في غيّهم.
لقد أصبح السنة اليوم هم أهل الذمة والموالي في لبنان، حيث يجب عليهم تقديم فروض الطاعة والولاء يومياً الى كل من المسيحيين والشيعة والدروز، وأن تلوك السنتهم كلمات مثل “العيش المشترك” و”الوحدة الوطنية” وسواها من أجل القليل القليل من رضى الآخرين.